قوة مؤسسات الحكم والدول تقاس في المراحل الاستثنائية. فهناك أنظمة تصنّعت الديمقراطية، لكنها لم تصمد أياما حتى عادت لوجهها الحقيقي، ونسيت أدنى قواعد التعامل السلمي، وكان العنف لغتها مع شعوبها، والأهم أن توجهها للإصلاح كان من باب المراوغة وليس صدق التوجهات.
مؤسسة الحكم في الأردن قدمت إدارة متميزة للمرحلة، وهذا لا ينفي ثغرات من بعض الجهات التنفيذية، لكنني أتحدث عن عقل الدولة وقيادتها العليا. وجوهر الإدارة المتميزة كان في الصدق الذي تمثل في الرغبة الجادة في الإصلاح، ولهذا كانت الخطوات نحو الإصلاح واضحة وليست لغايات شراء الوقت.
أما الجانب الآخر من الصدق، فكان في الإدارة السياسية وفق منهجية واحدة لمئات الفعاليات الشعبية، والتي جرت بشكل سلمي وكان تعامل الدولة سلميا بعيدا عن التكلف لأنه عبّر عن قناعة بهذا الأسلوب الذي رافق كل الفعاليات ومايزال.
وليس من باب المجاملة القول إن فكرة الإصلاح لم تكن عبئا على مؤسسة الحكم، بل جزءا من قناعاتها. ورغم كل الشد السياسي من البعض، إلا أن النظام السياسي حافظ على استمرار تنفيذ رؤيته للإصلاح، والتي احتوت كل ما تحدثت به القوى السياسية. وكان ما قاله الملك عدة مرات حديثا صادقا وعفويا، عندما قال إنه لا يوجد ما نخاف منه، بل وكانت مؤسسة الحكم تقود الإصلاح بقناعة، وهذا ما جعل كل منصف يجد كل ما يتم الحديث عنه هو الأجندة التي يدعمها الملك ويفتح الطريق أمامها.
ولا نحتاج إلا استعراضا سريعا لنجد أمامنا الأجندة كاملة، وهي:
* لجنة حوار تمثل كل الأطياف والفئات، إلا من أبى، تقوم بالحوار وإقرار قانوني الانتخاب والأحزاب وهما جوهر مطالبات المعارضة وغير المعارضة.
* لجنة من أصحاب الخبرة لدراسة ما تحتاجه الدولة من تعديلات دستورية. وسيكون أمامنا إنجاز آخر بتحقيق كل المطالب الدستورية التي تضمن قوة العمل البرلماني والحزبي. 
* ضمان كل أنواع حق التعبير السياسي والمطلبي، والاستجابة لكل المطالب السياسية الناضجة، والتي تحقق الإصلاح. 
وكل ما جرى كان أيضا قناعة مؤسسة الحكم، وكان لعمق النظام السياسي لمسة في إضفاء الإدارة الحكيمة لعملية الإصلاح لتكون إصلاحا توافقيا ويعبر عن مضمون كل الأردنيين، وخطوة نريدها جميعا وليس حالة انقلابية أو تحت تأثير تجارب الآخرين.
لكن الوصول إلى إصلاح عميق وحكيم يستدعي أن نعطي لكل مرحلة حقها الدستوري، وأيضا الوقت الكامل للدراسة. ولهذا فإن الخطوات المتوقعة:
* أن تقدم لجنة الحوار مقترحاتها حول قانوني الانتخاب والأحزاب ليسيرا في مسارهما الدستوري عبر الإقرار من الحكومة ثم مجلس الأمة، بكل ما يعنيه هذا من مزيد من الحوار والدراسة ليكونا نموذجا في التوافق. 
* أن تنهي لجنة التعديلات الدستورية عملها، ثم تقدم توصياتها ليتم إقرار التعديلات وفق القنوات الدستورية ومن خلال مجلس الأمة. 
وبعد ذلك يتم فتح الباب لبناء المؤسسات الدستورية وفق الإصلاحات التي تمت على الدستور والتشريعات، بما في ذلك الانتخابات النيابية، مع مراعاة عامل الوقت فحتى لو كان هناك قرار سياسي بإجراء انتخابات مبكرة، فإن العامل الفني، من إعادة تسجيل الناخبين وما يتبعها من مراحل تحتاج إلى وقت يتجاوز عاما من الزمن، وهذا يفرض بقاء مجلس النواب لأنه لا يجوز أن تبقى الدولة بلا سلطة تشريعية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  سميح المعايطة