تحت عنوان "إرساء أسس متينة" صدر مؤخرا عن منظمة اليونسكو التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع لعام 2007، وهو التقرير الخامس ضمن سلسة من التقارير التي تعبر عن أهداف المجتمع الدولي المعلنة في التعليم للجميع، والتي حددت العام 2015 عاما مستهدفا لتحقيق هذه الأهداف، والتقرير الأخير يتحدث عن إرساء أسس متينة للتنمية والتغير الاجتماعي والثقافي المستهدف في كل المجتمعات من خلال الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة.
وعلى الرغم من التفاؤل الذي ينشره التقرير حول الإمكانيات الكبيرة التي يمكن ان يعول عليها في بناء أسس متينة للتنمية والتحديث عبر بناء أجيال جديدة، ومن خلال الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة إلا ان هذه الأسس المتينة ما تزال بعيدة المنال في العالم العربي حسب ما يقدمه التقرير الاممي من مؤشرات وحقائق صادمة تجعل من هذه الأسس المتينة أحد مصادر الكآبة الحضارية بالنسبة لنا.
ما يزال هدف الاهتمام والرعاية بالطفولة المبكرة في العالم العربي متواضعا وغير واضح، وما تزال المنطقة العربية حسب التقرير تتنافس مع دول جنوب الصحراء في معظم المؤشرات على المرتبة الأخيرة، وربما تفسر هذه الوقائع جوانب هامة من الأزمة الحضارية العربية الراهنة كما تتمثل في فشل التنمية، وفي ظاهرة ضعف الاستقبال والتواصل الحضاري مع الذات والآخرين، فالمسألة مرتبطة في مدى القدرة على توفير تراكم نوعي في رأس المال البشري، يبدأ من الطفولة المبكرة؛ ذلك العنوان الذي ما نزال مصممين على إهماله.
فالحقيقية المحسومة علميا تذهب الى ان مرحلة الطفولة المبكرة؛ أي المرحلة التي تسبق دخول الأطفال المدارس، هي المرحلة الأهم في تكوينهم وبناء قدراتهم واستعدادهم للمعرفة والتعلم، وهي فترة بالغة الحساسية تتميز بحدوث تحولات سريعة في مجالات النمو الجسدي والتطور المعرفي والعاطفي والاجتماعي، والطفولة المبكرة هي الفترة التي يشهد فيها الدماغ تطورا كبيرا يرسي الأساس لعملية التعلم اللاحقة، والرعاية في الطفولة المبكرة التي ما تزال معظم مجتمعاتنا تنظر إليها كفضلة زائدة في عمر الأطفال، تؤدي الى تحسين الأداء في السنوات الأولى من التعليم الابتدائي وتسهم بشكل أساسي في الحد من الفقر وكل أشكال الحرمان، فلقد تأكد عالميا بأن إقرار إجراءات وقائية وتدابير لدعم الأطفال في سن مبكرة هو اقل تكلفة بكثير من التعويض عن الحرمان عندما يصبحون اكبر سنا.
وتركز أهداف التعليم للجميع على توفير خدمات الرعاية والتربية النظامية والتعليم المبكر للأطفال قبل دخول المدارس النظامية، والبرامج العالمية الناجحة هي التي تجمع بين التغذية والصحة والتربية والتنمية المعرفية للأطفال ورفاهيتهم الاجتماعية والعاطفية.
يشير التقرير بشكل واضح الى تدني مكانة المنطقة العربية في كافة المؤشرات الدالة على سلامة الإجراءات الراهنة، والتوجهات القائمة والمنتظرة في شأن رعاية الطفولة المبكرة، فالتشاؤم لا يتوقف عند الحاضر الذي يصوغه الكبار في هذا الوقت في هذا الجزء من العالم، بل يمتد بعيدا لمستقبل الأطفال وربما على مدى ثلاثة أجيال قادمة وبكل أسف، ما تزال نسبة القيد في التعليم قبل الابتدائي في المنطقة العربية ودول جنوب الصحراء الأفريقية هي الأدنى عالميا ولا تتجاوز 15%، ما تزال المنطقة العربية تسجل أعلى نسب التفاوت في البرامج المحدودة المتوفرة بين العاصمة والمدن الرئيسة من جهة والأرياف والبادية، وما يزال هناك تفاوت في المساواة بين الجنسين في هذه الرعاية، وفي خدمات الرعاية للأمهات، ولا يوجد حتى مجرد الاعتراف بدور الآباء في برامج الرعاية للطفولة الآمنة.
يوجد اليوم في العالم حوالي 750 أميا، من بينهم 100 مليون من العرب أي 13% من أميين العالم، بينما لا يشكل العرب سوى 4% فقط من سكان العالم، خلال العقد الماضي تضاعف القيد في المدارس الابتدائية في المناطق التي تعاني من ظروف مشابهة مرات عديدة، باستثناء المنطقة العربية التي سجلت فقط نموا بنسبة 6%.
المشكلة لا تتوقف عند الحاضر؛ بل مصدر الكآبة التي تنتاب المرء في اننا مصممون على الاستمرار في هذه الأوضاع، في شراء الضعف والتخلف وفشل التنمية لثلاثة أجيال قادمة على اقل تقدير؛ فالأطفال الفقراء معرفيا وعاطفيا واجتماعيا، هم الأكثر استعدادا للفقر المادي في المستقبل، وهم الأكثر استعدادا للرضوخ للاستبداد والظلم، وهم الأكثر قبولا لترك مصيرهم للمجهول.
بقلم: د.باسم الطويسي
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي العلوم الاجتماعية جريدة الغد