تأتي وزيرة الخارجية الأميركية إلى المنطقة مجددا قبيل أسابيع من مؤتمر السلام الدولي المزمع عقده في الولايات المتحدة في تشرين الثاني القادم معلنة بكل وضوح بأن لا طموح لديها بإحداث تقدم في عملية التفاوض بين الفلسطينيين والاسرائيليين، بينما تخيم أجواء عامة تقر بنوع من الغموض غير الايجابي، وبعبث ما يجري وسط معلومات متناقضة وغامضة، والكل يتحدث عن ثقة متبادلة عنوانها تبادل الود تحت عريشة عيد المظلة اليهودي، بينما لا مخرجات حقيقية تذكر، والطرفان في وضع لا يؤهلهما لإحداث إزاحة نوعية في جوهر الصراع.
مفاوضات الربع ساعة الأخيرة التي أطلقت بين الفلسطينيين والاسرائيليين منذ أسابيع، تهدف الى الخروج بوثيقة مرجعية تعد أساس التفاهم لبناء الحل المطلوب من الطرفين، بينما سيكون مؤتمر الخريف القادم بمثابة اجتماع دولي لمباركة هذه الوثيقة المرجعية ومنحها الأسماء والصفات. ولكي يسقط المطر في الشرق الأوسط لابد من التقدم في ترتيبات الوضع النهائي وحسم التفاصيل.
من منظور نظري يدعو هذا المسار الى التفاؤل في معالجة مسألة ما يسمى إيجاد الطاولة المشتركة للتفاوض، لكن خبرة التفاوض بين الطرفين لا تدل على هذا التفاؤل أبدا، فلقد صيغ العديد من الوثائق التي قيل انها ستكون مرجعية للطاولة النهائية، وليس صحيحا ان كل الوثائق السابقة لم تحظ بموافقة الطرفين؛ لكن ما يحدث دوما أن هناك طرفا لا توجد لديه إرادة للحل، وطرفا آخر أضعف من امتلاك شرعية تمثيل قضية تقرير مصيره الوطني وحده.
في الوقت الضائع المتبقي من عمر الإدارة الأميركية الحالية تتسارع الخطى الدعائية في معظمها في الضغط لإحراز إنجازات ما في مسارات العملية السياسية، بينما لا يتغير شيء في آليات إدارة شراء الوقت التي حولت مسار التسوية منذ اوسلو الى اليوم الى أداة في إدارة السياسة الدولية وفق البوصلة الأميركية، وأداة أخرى في إدارة السياسة الإقليمية وفق خرائط المصالح الاسرائيلية، الأمر الذي يجعل مساحات التفاؤل متواضعة في مفاوضات الربع ساعة الأخيرة الراهنة، بل أقل من كل مرة كما تخبر بذلك خبرات التفاوض السابقة.
في العناوين تتكرر قضايا الحل النهائي المؤجلة دائما، دون وجود التفاف جدي حولها، وبينما يتم التركيز في العناوين على الوضع النهائي للقدس وحدود الدولة الفلسطينية المنتظرة، يتراجع الحديث سوى من الجانب البرتوكولي عن مسائل عودة اللاجئين وحقوق السيادة وشكل الدولة وتقاسم الموارد، في هذا الوقت يتم إسرائيليا تضخيم مسألة القدس، وتطرح سيناريوهات على الطريقة الاسرائيلية المعهودة بانهيار التحالف الحاكم إذا ما أقدمت الحكومة الاسرائيلية على إحراز تقدم في المفاوضات.
فيما يتم تصوير المقترح الذي أشار اليه حاييم رامون بأنه أقسى الاحتمالات التي تقدمها إسرائيل والقائم على إمكانية تقسيم القدس؛ والمقصود هنا تقسيم القدس الشرقية وفق مخططات جدار العزل العنصري وضمن نظام خاص لإدارة بعض المرافق الدينية التي تطلق عليها إسرائيل مسمى "الحوض المقدس"؛ بمعنى ان الحمائم الاسرائيليين يوعدون العالم بالنضال لتوفير موطئ قدم فلسطيني في قرية أبو ديس على الأرجح تحت مسمى العاصمة الفلسطينية في القدس. يحدث ذلك بالتزامن مع إصدار إسرائيل قرارا عسكريا بوضع اليد على حوالي 1130 دونما في بلدتي أبو ديس والسواحرة للمضي قدما في مخططها باستكمال جدار العزل، وبالتزامن أيضا مع استئناف أعمال الحفريات في الحرم القدسي التي بدأت العام الماضي؛ فالمهمة ببساطة واضحة والحل يفرض على الأرض، ولا حاجة لا لمؤتمرات الخريف ولا الصيف.
أبسط مقومات بناء الثقة في حل الصراعات الطويلة يفتقدها المسار الراهن، وأولها التخلص على اقل تقدير من مظاهر التنكيل والحصار ونقاط التفتيش والممرات المذلة التي تزداد كلما ازدادت وتيرة الحديث عن مستقبل التسوية، كما لابد من التوقف أمام ابسط حقائق الوضع الراهن الذي تتسابق فيه مفاوضات الربع ساعة الأخيرة؛ وأهمها ضعف المجتمع الدولي وافتقاده في معظم الأحيان؛ بمعنى ان ما يجري هو التقدم نحو نتائج محسومة يفرضها طرف واحد، في واحدة من أقسى لحظات وهوان مسار التسوية وعدم جديته.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد