من الواضح ان مجلس التعليم العالي يواجه المزيد من الضغوط نحو إجراء تعديلات في أسس القبول للدراسات العليا في الجامعات الأردنية، أهمها الاستغناء عن شرط الحصول على تقدير "جيد" فأعلى للقبول في برنامج الماجستير وفتح المجال لمن هب ودب للتجريب في مجال الدراسات العليا تحت شعار " دعه يمر" من دون الالتفات أو التقدير الموضوعي؛ ماذا في اليوم التالي؟
ومن الواضح أيضا ان صناع  القرار يسربون بعض المعلومات غير المكتملة في هذا الجانب؛ لاختبار ردود الفعل المجتمعية حوله قبل صدور القرار، في بلد تشكل فيه قضايا التعليم حساسية مزدوجة جانبها الأول الطلب المتزايد على خلق بيئة مفتوحة ومرنة تسهل الالتحاق بالمؤسسات والبرامج التعليمية من دون الأخذ بعين الاعتبار لأي محددات أخرى، ويحدث ذلك أيضا في بلد أصبح فيها التعليم العالي تحديدا جزءا من منظومة القيم الاجتماعية العالية القيمة في اولويات كل أسرة أردنية، وجانبها الثاني المطالب الأكثر شرعية في الحرص على بناء نظم تعليمية أكثر كفاءة تحرص على جودة المخرجات التعليمية كما تحرص على جودة المدخلات، بينما تشكل الدراسات العليا وخريجوها الكتلة الحرجة المتداخلة مع أنساق النظم التعليمية الاخرى كافة، وبالتالي تتطلب المزيد من الحرص حيال ضمان مستوى جودة في المدخلات وما تشهده من عمليات ومخرجات؛ فالدراسات العليا ليست مجرد ترف مجتمعي ولا موضة لطلب المزيد من الارتقاء في السلم الاجتماعي، بل هي الحلقة المفصلية في حلقات التقدم وبناء التنمية والتغيير الاجتماعي والثقافي.
   صحيح أن هناك أزمة خانقة في تمويل الجامعات الأردنية وفي اقتصاديات التعليم العالي بشكل عام؛ يقال الكثير عنها بينما لا يتحدث احد عن دور الجامعات نفسها في هذا الأزمة المزمنة التي تشكل احد النماذج التي يمارَس التستر عليها في مجال سوء التصرف بالمال العام، ولا يجوز اليوم القبول بالتنازل عن المطلب الموضوعي بتحسين مستوى التعليم العالي ونسف كل نوايا الإصلاح في هذا القطاع تحت وطأة دعاية بائسة تمارسها بعض إدارات الجامعات لتوسيع قاعدة القبول في الدراسات العليا تحت مطالب التمويل للجامعات الرسمية من جهة، وزيادة أرباح الشركات التي تدير الجامعات الخاصة من جهة أخرى.
حينما نخطط للتنمية والتغيير الاجتماعي والثقافي والتعليم، في مقدمة كل ذلك، يجب ان نلتفت الى واحدة من الأبجديات في مجال هذا النوع من التخطيط، وهي ان نفرق بين ما يحتاجه الناس بالفعل وبين ما يريدونه، هناك الكثيرون الذين يريدون ان تشرع الأبواب من دون حساب أو ضبط أمام الجميع للقبول بالدراسات العليا تحت مبرر الحق في التعليم وبموجب الرغبة في الحصول على الشهادات، لكن ذلك يتطلب النظر من زاوية ثانية لما يحتاجه الناس بالفعل؛ إنهم يحتاجون تعليم بجودة عالية ومخرجات ذات كفاءة، وان لا نترك مستقبل الأجيال القادمة تحت رحمة إشباع الرغبات.
في هذا الوقت لا يوجد الحد الادني من الرضا عن مستوى الدراسات العليا في الجامعات الرسمية والخاصة؛ حيث يلتزم معظمها بتعليمات سابقة ضبطت القبول في برامج الماجستير عند تقدير "جيد"، وبعض الجامعات وحتى الرسمية فلتت من هذه التعليمات وكانت تقبل تقدير "مقبول"، لا ندري كيف ستؤول الأحوال إذا ما تم التشريع رسميا للجميع بإلغاء هذا الشرط، وهل سيكون هذا الأمر إذا ما حدث قرارا بوأد الدراسات العليا في الأردن وهي في مهدها.
بكل سهولة يمكن اخذ عينة من مائة رسالة ماجستير نوقشت خلال آخر ثلاث سنوات من الجامعات الرسمية والخاصة للطلبة أصحاب المقبول، لا نريد تقصي مدى الأصالة العلمية ومحددات المنهج العلمي وما أضافته هذه الدراسات للمعرفة العلمية، نريد فقط تقصي مدى السرقات والقص واللصق عن شبكة الانترنت من دون القدرة حتى على إعادة صياغة الأفكار والعبارات؛ سنجد ان النتيجة كارثية كل ذلك حدث وما يزال يحدث تحت عنوان "دعه يمر".
  نعلم ان قرار السماح بمرور المقبول يحظى بشعبية عالية، ولا نريد ان تطغى هذه الشعبية على مصالح وطنية بحجم ضمان جودة التعليم ومستواه الذي يؤثر في مختلف جوانب التنمية والحياة، لا خطوط خضراء ولا حمراء في رهان على مستقبل جيل بأكمله والمسألة ليست معركة تكاسر بين هذه الجهة ولا تلك، والمحصلة ان تمرير المقبول في هذه المرحلة غير معقول ويحتاج ذلك ممارسة ضغوط واعية حتى لا نُترك  تحت إغواء الشعبية السريعة وبريقها.

 

بقلم: د.باسم الطويسي​​​​​


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة   د.باسم الطويسي   العلوم الاجتماعية   جريدة الغد