هناك مجموعة من الطابوهات والخطوط الحمراء، بعضها يواجه الكاتب بمشكلات جمة قد تعرض مصيره الثقافي إلى الزوال والاضمحلال، وبعضها الآخر يقضي على حياته وبقائه في الوجود . والكاتب في بلدنا يصطدم بهذه الطابوهات كلما أراد معالجة موقف أو قضية تهم البلد، أو أولاده من منطلق وطنيته وثقافته، التي تملي عليه الخوض في غمار هذه المواقف، ولهذا فإننا نعتقد أنه ليس هناك مجال لكتابنا الحاليين الذين يحاولون أن يقدموا دراسات وتقويمات وانتقادات، وذلك عن طريق دراسة المواضيع الأكثر جاذبية ونقاشا في الواقع، أعني أن الكاتب الذي يكتب الآن، ويناقش هذه الموضوعات والقضايا داخل الإعلام وعلى صفحات الجرائد والكتب لا يرقى إلى ما نطمح إليه جميعا، وإلى ما يطمح إليه المعذبون في الأرض .
 عندما نحاول أن نتسائل : من هو الكاتب ؟ وماذا يكتب لنا ؟ فسوف نجيب أنفسنا ببساطة أن هذا الكاتب - الإنسان - يتسم بقدر من الضعف والغموض والنفاق الثقافي إذا أمكن لي التعبير، فتنشأ المشكلة الكبرى، مشكلة الجهل بالواقع من ناحية، بسبب ما أصاب الكاتب من فشل وتراجع من خلال المواقف، غير أن المشكلة الحقيقية تعود، من الناحية الثانية، إلى نوع من التواطؤ والتوافق السلبي موجود من قبل في صميم الكاتب ذاته، وطبعا نقصد بعض الكتاب وليس جميعهم، وإلا فإننا نحكم على أنفسنا بالبلادة، فأنصار هذا الاتجاه ينكرون أنه من الممكن مواجهة الواقع وفق الخقيقة الصافية، في مواقف وآراء دقيقة واضحة، بهدف - حسب رأيهم - استمرار وجود محدود للكتاب داخل الساحة الملغومة عن آخرها .
 ومع ذلك يظل من الصواب والحكمة أن نقول إنه يوجد بعض الكتاب والمثقفين في بلادنا العربية يجمعون على المواجهة واتخاذ الحرية وصفا في ممارسة الكتابة، رغم وجود مجموعة من تضارب الآراء حول طريقة الممارسة هذه . وخير مثال على ذلك، الموقف الذي أبداه الكاتب الكبير والأديب "أحمد بوزفور " قبل سنوات عند رفضه لجائزة اتحاد كتاب المغرب ، التي فازت بها مجموعته القصصية " ققنس " . هذا الموقف الرافض الذي وضع الأديب في خانة الرافضين للوضع الحالي، سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، إنه أسلوب في التفلسف الآرائي قد يؤدي بمن يستخدمه إلى مواجهة المشاكل والإقصاء والتهميش، لكنه يضعه - في نظر الأحرار - بطلا وقدوة .
فما هي إذن، السمات العامة التي يتميز بها الكاتب المعاق في واقعنا الثقافي ؟ وما هي الدوافع التي تدفعه لممارسة الفعل الكتابي بهذه الشوفينية والهلامية ؟ هل لقصر ذات اليد التي يحس بها أم للعجز الفكري الذي يحمله بين طياته ؟ وما هي التعجيزات التي تجعله يتجاهل قضايا أكثر خطورة عليه وعلى البشرية جمعاء ؟ أعجزه عن مواجهتها أم لوجود الطابوهات والخطوط الحمراء أمامه وفي طريقه ؟ .
 فما يحاول الكاتب التعبير عنه، وأقصد الكاتب العاجز إنتاجيا وقيميا، هو مجرد قشور فكرية لا تسمن ولا تغني من جهل . ولذا فإن هذا النوع من الكتابة يبدو في بعض الأحيان، مضادا في الحين للطموح الفكري خارج مجال الكتابة وسلطة القلم، بمعنى ليس كل ما يقال بالألسن يجد طريقه إلى الورق والنشر . فالكاتب المعاق يقول بانفعال عاطفي كمن يندمج في الواقع الفعلي المندمل، ولكنه يكتب ببرود وعجز كمن يندمج في مشروع متخلف لا يعبر عن انفعالات الناس وميولاتهم . وعلى الرغم من أن بعض الكتاب يظهرون احتراما للكاتب الناقد القوي في مواقفه، فلا يزال من الصواب والحكمة أن يندمجوا في هذا الاتجاه بدورهم على أساس البناء ونشدان التغيير، وبذلك يتجنبون النفاق الفكري الواضح وضوح الشمس في كتاباتهم اليومية .
 سوف تتطلب من هذه المقارنة أن نقف عند أمثلة بتفصيل أكثر، وببساطة فالواقع الثقافي لدينا مليء بهذه النفاقات مما يجعلنا لا نتوغل في التمثيل أكثر، لقد سبق أن ذكرنا مثالا عن الكتاب الجادين الناقدين بكل حرية ومصداقية، ولكي لا نغضب مثقفينا المعاقين من عدم ذكرهم فإننا سنستغني - حرصا منا - عن ذكر الأسماء، ونذكر بالأفعال فقط تجنبا لأي إحراج . ونأخذ مثالا بالكاتب المتحزب الذي يساير العاصفة غالبا، فتراه في الرخاء السياسي يتخذ موقفا نبيلا يتماشى ورغبات العامة، وتراه في العواصف السياسية، إن على المستوى المحلي أو الوطني أو الدولي، يسايرها كذلك ويتخذ مواقف أقل وقعا وحزما، فيضيف نفسه في صف المثقفين المعتدلين ذوي الحكمة والتعقل، وكل هذا طبعا لا يمكنه أن يمر على العاقلين مرور الكرام .
  رغم أننا ذهبنا إلى هذا التصنيف من طرف واحد، فإنه قد يكون صحيحا مع ذلك عند الكثير من الكتاب الموجودين داخل ساحتنا الثقافية، وأن هذا التصنيف ينحو نحو تركيز الانتباه على بعض المغالطات التي تغزو كتابنا ومثقفينا، حتى نجد أن هذه المغالطات تتكرر عند معظم المثقفين السياسيين دون المستقلين منهم .
  الحرية، المسؤولية، الشفافية، والمصداقية، واتخاذ القرار المناسب، وهي مواضيع تشكل عظمة المثقف ومرآته الشخصية، لأن ما يميز المثقف عن الناس الآخرين هو ممارسته للنقد بكل حرية ومسؤولية، وقدرته على قراءة الواقع بكل استقلالية ، فمن خلال اتخاذ القرار المناسب والمصداقية يكون المثقف قد حقق شخصيته، وحقق للناس طموحاتهم بسلطة القلم، التي صارت أقوى مما كانت عليه في الماضي...

المراجع

zamanalwsl.net

التصانيف

أدب  مجتمع