وصل أعضاء المجلس النيابي الخامس عشر الى مقاعدهم تحت قبة البرلمان، وانتهت بذلك العملية الإدارية والسياسية التي أفرزت هذا التكوين الاجتماعي السياسي للبرلمان الجديد الذي يشير الى مرحلة من التطور السياسي الأردني تمثل صورة الأردن السياسي في هذه اللحظة من تاريخ هذا البلد، فبلا شك ان البرلمان في أي بلد يعكس صورتها، وبكل ما تحمله خصائص البرلمان الجديد من ايجابيات وسلبيات، فإن أول إشارة تعكسها العملية السياسية والاجتماعية التي جاءت بهذا المجلس بغض النظر عن تكوينه تؤكد بأن الأردن الاجتماعي وحتى الاقتصادي ما يزال متقدما على التطور السياسي، ما يجعل المرايا السياسية مقعرة ولا تعكس الواقع.
مصادر التفاؤل فيما حدث ان الانتخابات باعتبارها الاستحقاق الدستوري الأهم في مسار تراكم التنمية السياسية قد جرت، على الرغم من الرهانات التي نالتها خلال الفترة السابقة، المصدر الثاني للتفاؤل، ان الأردن الرسمي لديه استعداد -إذا ما توفرت الإرادة السياسية- للانفكاك وإعلان الطلاق مع حالة الطوارئ التاريخية السائدة في المجال السياسي الإقليمي فيما يتعلق بالتخطيط لمستقبل البلاد، وتحديدا على مسار الإصلاح السياسي الذي طالما تم تعليقه على شماعة الاحداث والتحولات في إقليم لا يهدأ وتستعر فيه جهنم السياسة والحروب والاحتلالات دون توقف.
على الرغم من التوقعات المتشائمة في اغلبها حول التكوين السياسي للمجلس الجديد، فإنه من الناحية الموضوعية من المبكر الحكم على ذلك، فقد تكون هناك مفاجآت في أداء بعض الوجوه الجديدة، ومع هذا فإن معظم المؤشرات تدل على ان الأداء العام للمجلس الجديد لن يكون أحسن حالا من المجلس السابق، الأمر الذي عكسته بكل وضوح الحملة الانتخابية، وما شابها من ظواهر جديدة في مسار التطور السياسي أكدت اننا لا نراكم إصلاحات سياسية ولا نتعلم خبرات جديدة في ممارسة السياسة المحلية، ولا حتى في الكثير من الحالات معرفة بأحوال هذه الممارسة ومتطلباتها، والضحية الكبرى في هذه الانتخابات كانت بكل أسف الثقافة السياسية، وعبر عن هذا الواقع أداء النخب السياسية؛ تلك التي ترشحت للانتخابات والأخرى التي رضيت بمواقع المتفرجين وساندت أو عارضت باسترخاء وعبثية.
لقد آمنا ان الحملة الانتخابية لن تجري على أسس برامجية لغياب الأحزاب، لكن المجتمع السياسي فشل في إبراز الحد الأدنى من الثقافة السياسية التي تعكس صورة البلد بشكل موضوعي. الأردن باجتهاد أبنائه لا تمثله الصورة الحالية وأنجز أكثر من ذلك، وتتحمل النخب والمؤسسات المدنية والحكومات هذا التواضع المخجل في مضمون واتجاهات الثقافة السياسية السائدة، التي ما تزال مصممة على رفض النظر الى مواطن الإصلاح السياسي وأولياته الحقيقية فيما عجزت عن إصلاح الحياة الحزبية أو تطوير أداء البرلمان واتخذت من ذلك الحجة للممارسة النكاية السياسية لا غيرها.
وتجاهلت مؤسسات التنشئة السياسية التي هي بيت الأسرار في إنتاج ثقافة سياسية تنتج البرلمان الذي يعبر عن صورة الوطن وتحميه وهي المؤسسات التي تعلم السياسة، وتُعرف الناس معنى الأطروحة ومعنى الفكر البرامجي والفرق بين المعارضة والرفض، وتوطن بفعل ذلك قيم الدولة الكبرى، وهي مؤسسات التنشئة السياسية الغائبة عن جوهر الإصلاح من جامعات ونقابات ومؤسسات مجتمع مدني ووسائل إعلام، إذا كانت الثقافة السياسية اكبر ضحية في هذه الانتخابات فإن أكثر ما تم التعبير عنه في هذا الشأن تواضع الفهم والوعي بقيمة الدولة، الأمر الذي عكسته الحكومة في سلوكها مع مؤسسات مدنية طالبت بمراقبة أو رصد الانتخابات، وبدا ذلك في سلوكها المربك مع المركز الوطني لحقوق الانسان، رغم ان ضمان أدوات لنزاهة الانتخابات هو مصلحة حكومية صرفة في هذا الظرف، لكن المشكلة تبدو أحيانا في ثقافة تؤمن بالاستحواذ وتعتقد ان الشراكة تشكيك أو تقليل من الهيبة.
الانتخابات جرت، وهذا إنجاز وطني، والبرلمان الجديد على المحك، يجب ان يبدأ من إصلاح مؤسسة البرلمان ذاتها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد