مع اقتراب نهاية هذا العام وفي ضوء استمرار الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تنعكس يوميا على حياة الأفراد والأسر لا نلاحظ أي جديد في تطور الأداء العام في خدمة قضايا التنمية الكبرى، بينما ما تزال أرقام النمو والاستثمارات مجرد أرقام لا تسهم في إطعام الناس أو تدفع رسوم الجامعات وتكاليف التعليم أو تخفف من حدة وقع ارتفاع الأسعار.
الظاهرة الجديدة في سياق مؤشرات التنمية تبدو في النمو الذي شهده قطاع السياحة بعيدا عن السياسات والاستراتيجية الرسمية، وهو نمو يحمل وجهين؛ الأول يشير إلى حجم تشابك هذا القطاع مع مختلف فئات القواعد الاجتماعية وقدرته العالية على التأثير في القطاعات الخدمية والإنتاجية الأخرى، وفوق ذلك قدرته على الاستيعاب والتشغيل. فكل فرصة عمل توفر في السياحة تعني إيجاد ثلاث فرص عمل أخرى في القطاعات الرافدة والمساندة.
الوجه الأخر ان النمو الذي شهده هذا العام، وبالتحديد في الشهور الأخيرة، مرشح ان يكون مجرد نمو طارئ وغير أصيل، ومرتبط بمحددات آنية سوف تزول ويعود التراجع أو المراوحة إلى الحدود التقليدية لأداء هذا القطاع، ومرد الحاجة لرؤية هذا الوجه ان نمو حركة السياحة الوافدة خلال هذه الفترة لم يأت نتيجة سياسات وجهود وطنية واضحة المعالم من قبل القطاعين العام والخاص؛ يمكن ان يراكم عليها، فهناك بالفعل استراتيجيات تحمل بعض الأهداف وتطرح أرقاما للنمو المستهدف، لكن هذا القطاع يفتقد للسياسات والإجراءات العملية، فما تزال المشاكل والتحديات هي ذاتها منذ منتصف التسعينيات.
ساهمت مجموعة من العوامل الإقليمية والدولية وما حققته البتراء من مكانة عالمية في ان يشهد قطاع السياحة نموا فاق الأرقام المتوقعة التي تتحدث عنها الاستراتيجيات الحكومية، حيث ارتفع إسهام هذا القطاع في إجمالي الناتج الوطني وبلغ الدخل السياحي خلال الأشهر العشرة الأولى من هذا العام في حدود 1،4 مليار دولار. ومن المتوقع ان يصل إسهام هذا القطاع مع نهاية العام إلى حدود 15% من إجمالي الدخل الوطني، في الوقت الذي شهدت فيه قدرة هذا القطاع على التشغيل نموا زاد 6% عن العام الماضي، الأمر الذي يدل على حجم الفرص التي تتيحها السياحة والضائعة بكل أسف، وحجم التحديات التي تراوح مكانها. ولعل مثال البتراء الشهير الذي لا يحتاج إلى شرح احد التحديات الكبيرة، فيما وصلت اليه أحوال المقصد الأول للسياحة الأردنية التي تزداد سوءا يوما بعد يوم على الرغم من ازدياد الطلب العالمي عليها، وهو ما يفسر النمو الذي نتحدث عنه.
ففي الوقت الذي دشنت فيه دول إقليمية لا تزيد عنا شيئاً في عناصر الجذب السياحي المتوفرة لها خبرة واضحة في مواجهة حالات الطوارئ وما يسمى الخراب السياحي من جهة، أو حالات التركيز السياحي كما يحدث لدينا في هذا الظرف الطارئ من جهة أخرى، من خلال السياسات وتحسين البيئة التشريعية وإيجاد الأسواق البديلة وبناء الأفكار وبرامج الترويج والتسويق النوعية والجديدة، ما يزال مستقبل هذا القطاع لدينا يشوبه الغموض والتردد والغياب الواضح للكفاءات الوطنية التي توظف المعرفة والخبرة نحو الاستدامة في التعامل مع الموارد التراثية وتعظيم العائد الاقتصادي والاجتماعي في الوقت نفسه، مع سيادة نظرة استهلاكية نفعية ضيقة، وخير مثال على هذا الوصف أيضا الخبرة الحكومية في التعامل مع مدينة البتراء على مدى أكثر من عقد مضى.
إننا نتلقى النتائج أكثر مما نصنع الأفعال في محيط إقليمي بات يشهد ازدحاماً وتنافساً في جلب المنافع الاقتصادية مع ارتفاع وتيرة الحساسيات السياسية والأمنية وحتى الثقافية. ولعل قطاع السياحة واحد من بين أهم القطاعات التي تطبخ على نار هادئة وتحتاج إلى رؤية وطنية جديدة، فالانتباه إلى الفرص المتاحة اليوم يحتاج التفكير بصوت مرتفع أكثر من أي وقت مضى.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد