في معرض تفنيدهم لسياسات التوسع المالي التي شهدت ازديادا غير مسبوق، يقول البعض إنه كان لا بد من ارتكاب بعض الأخطاء عندما بدأت ضغوط الشارع في مرحلة الربيع العربي بهدف شراء السلم الاجتماعي، ولو فرضنا أن ذلك صحيح، فيمكن أن يتم تقبل ذلك لبعض الوقت إن كانت هناك نية للعودة إلى مسار إصلاحات هيكلية كخلاص نحو نمو مستدام ومديونية منضبطة.
اليوم، وبعد مرور ما يزيد على 6 أشهر من سياسات توسع مالي جمد خلالها رفع أسعار بعض السلع الأساسية وصولا إلى إنفاق جار على الرواتب وغيرها، يحق التساؤل عن العواقب المستقبلية بشأن منطق إعالة يغيب عنه أي تقنين، ويهدر الملايين من أموال الخزينة لغير مستحقيها تحت مسميات كسب الشعبية والمحاباة لجهات دون أخرى.
ومن الخطورة أن يتحول دعم المحروقات والخبز والشعير وضريبة المبيعات إلى هدر عندما يستفيد منه الغني والفقير على حد سواء، ولا يتم تقاسم العبء الضريبي بشكل عادل.
ولا بد من ابتكار حلول منصفة تقنن أموال الدعم التي تضاعفت مخصصاتها في زمن الربيع العربي وفي ظل غياب الشفافية المطلوبة لا تعطي مردودها الأمثل وتفادي ثغرات بعض الأفكار من بطاقات ذكية وخلافها والتي قد تفتح المجال لكثير من الاستغلال لأن أي محاولات غير مدروسة لتقييد مستفيدي الدعم يمكن أيضا أن تفتح أيضا بدورها مجالا أوسع لسوق سوداء.
إلا أن بقاء الدعم غير الموجه على حاله ليستفيد منه الغني والفقير ليس الحل الأمثل أيضا، خصوصا مع تعاظم الضغوط على موارد الموازنة يوما بعد يوم، ومن شأن ذلك أن يقوض الكثير مما أنجز، خصوصا عندما يصل العجز إلى ما يقارب الأحد عشر بالمائة من الناتج الإجمالي، لكن بفعل المنح السخية، والتي لا يمكن أن يعول عليها، تهبط إلى النصف.
ولا شك أن الاقتصاد كان عاملا رئيسيا يدفع الناس للجوء للشارع بغياب الثقة في صناديق الاقتراع. ولا شك أن توسع الهوة في مداخيل الناس والبطالة وغياب العدالة كانت دافعا رئيسيا في حالة الاحتقان التي يشهدها الشارع العربي، والأردني أيضا بالطبع غير منفصل عما يحدث من حوله.
ورغم أن الكثيرين يخرجون للشوارع منادين بالحرية في دول عربية عدة لأن الشباب لا يرون مستقبلا أمامهم نرى في دول أخرى، كالأردن، أن حالة عدم الثقة في الطبقة السياسية ومغازلتها للمجموعات المتنفعة في المجتمع وراء الكثير من الاحتقان.
القصة الأهم اليوم هو أن أعدادا أكبر من المواطنين في عالمنا العربي باتوا يرفضون الأطر التقليدية من أحزاب وغيرها نحو أطر أخرى أكثر تشاركية.
إن وجود روئيتين اقتصاديتين حول مستقبل الأردن لا يعني أن نستمر إلى ما لا نهاية في سياسة تهدد ما حققناه. ولا ريب أن السياسيين بطبعهم جميعا يرغبون بانفاق المزيد والمزيد إلا أنه يتوجب أن يعي هؤلاء أن عواقب كثيرة سينجم عنها، لأنه لا يمكن أن يستمر مسلسل الصرف وأن لا تزداد كلفته على النمو، ومديونية كانت لسنوات ماضية أقل همومنا لأن دولا كثيرة كانت سخية وتلغي ديوننا، تمر اليوم في اضطراباتها التي ستجعلها قريبا لن تلتفت لأحد.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة سليمان الخالدي