80% من الوفيات في سن مبكرة تسببها أمراض القلب ويمكن تخفيفها من خلال تناول الغذاء الصحي والرياضة، تتبنى الهيئات الصحية في العديد من دول العالم اعتبار شهر فبراير (شباط) «شهر القلب». والأمر ليس له علاقة مباشرة بـ«فالنتاين»، والممارسات المصطنعة أثناء عملية الاهتمام بقلوب الغير، بل هو مناسبة سنوية لتصحيح اهتمام الناس بصحة قلوبهم وقلوب غيرهم، عبر إدراك تأثيرات أمراض القلب على المجتمعات البشرية، ووسائل الوقاية منها، وعلامات إصابة المرء بها، وكيفية معالجتها ومتابعة نتائج ذلك.
ودون أي مبالغة أو تهويل، تشهد البشرية اليوم «أزمة» عالمية في صحة القلب. وتصنيف مشكلة أمراض القلب بـ «الأزمة» مبني على أمرين مهمين، هما أن أمراض القلب هي السبب الأول للوفيات بين الناس في كافة أرجاء العالم، وأن 80% من إصابات أمراض القلب يمكن الوقاية منها.
تهديدات عالمية للأمراض
في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصدرت منظمة الصحة العالمية بيانها العام حول «الحقائق العشر حول التهديد العالمي للأمراض». وقالت المنظمة في بداية تقريرها: إن جمع ومقارنة المعلومات الصحية المتدفقة من مناطق العالم، هو طريقة للتعرف على المشاكل الصحية واتجاهاتها، مما يُساعد صانعي القرار على وضع الأولويات. والدراسة الحديثة، موضوع التقرير، تصف الحالة الصحية العالمية عبر قياس «همّ وعبء واستنزاف» أمراض معينة من بين جميع أسباب الوفيات في كل أنحاء العالم. وأعطت الدراسة تفاصيل عن الأسباب الرئيسية للوفيات على المستوى العالمي، وذلك من بين أكثر من 130 مرضا.
وأظهر التقرير أن أمراض القلب والأوعية الدموية هي السبب الأول للوفيات، بين الذكور وبين الإناث، على المستوى العالمي. وهي التي من نتائجها الإصابة بنوبات الجلطة القلبية والسكتة الدماغية. وعلى أقل تقدير، فإن 80% من الوفيات، في عمر مبكر، الناجمة عن نوبات الجلطة القلبية والسكتة الدماغية، يُمكن منع حصولها عبر تناول الغذاء الصحي وممارسة الرياضة البدنية بانتظام والامتناع عن التدخين.
قائمة أسباب الوفيات العالمية
رصدت تلك المنظمة العالميى، من عام لآخر، تعدادا تقريبيا للوفيات العالمية، وأسباب حصولها. وضمن معلومات إصداراتها حول هذا الأمر، والتي تمت مراجعتها في عام 2008، يبلغ حجم الوفيات العالمية حوالي 58 مليون شخص في العام الواحد.
وتتسبب أمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة حوالي 30% من جميع أسباب الوفيات، بين الذكور والإناث، وفي كافة الأعمار، وفي كل دول العالم مجتمعة. أي أننا نتحدث عن رقم وفيات سنوي يبلغ حجمه الفعلي حوالي 18 مليون إنسان. وتشمل هذه الأمراض خمسة عناصر رئيسية، وهي: أمراض شرايين القلب، وأمراض شرايين الدماغ، والأمراض الروماتيزمية لصمامات القلب، وأمراض القلب الناجمة عن ارتفاع ضغط الدم ، والتهابات القلب.
وللمقارنة، فإن أعداد الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية هي ضعف أعداد الوفيات الناجمة عن أمراض السرطان، بكافة أنواعه وفي أي مكان بالجسم.
وللمقارنة أيضا، الوفيات الناجمة عن أمراض جهاز القلب والأوعية الدموية هي خمسة أضعاف عدد الوفيات الناجمة عن أمراض الجهاز التنفسي، و10 أضعاف الوفيات الناجمة عن أمراض الجهاز الهضمي. و15 ضعف الوفيات الناجمة عن أمراض الجهاز البولي. وللمقارنة «كمان وكمان»، فإن أعداد الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية هي 15 ضعف عدد الوفيات الناجمة عن قتل البشر في الجرائم المدنية وفي الحروب الأهلية أو فيما بين الدول. وهي أيضا 15 ضعف عدد الوفيات الناجمة عن حوادث السير.
وإذا كانت مقاصد المجتمعات البشرية هي البحث عن «أفضل طريقة لحماية أرواح الناس من الإزهاق»، وتباينت وسائلهم لتحقيق ذلك، فإن هذه الأرقام العالمية تقول لنا صراحة إن بذل الجهود، وتوفير الدعم المادي والبشري واللوجيستي لها، في حماية صحة قلوب الناس، هو أحد أفضل الطرق لتقليل عدد الوفيات العالمي.
فبراير «شهر القلب»
وفي بدايات شهر فبراير (شباط) الماضي أصدرت إدارة «مركز السيطرة على الأمراض والوقاية» بالولايات المتحدة تقريرا للتذكير بحقائق مهمة عن «صحة القلب». وتتمتع الولايات المتحدة بمراكز متقدمة في جمع المعلومات الصحية وترتيب الإحصائيات عنها. وبمراجعة نتائجها تتبين جوانب واقعية عن الوضع الصحي العام، مما يُمكن من رؤية الصورة الصحية بشكل أكثر دقة في كل من التفاصيل والعموم. ولأن أمراض القلب والأوعية الدموية هي السبب الأول للوفيات في كل دول العالم، تكون مراجعة هذه النتائج مفيدة جدا عند العرض والمراجعة. ولو توفر غيرها، فإن البحث لن يبخل عن الاستقصاء والعرض.
وأشارت توقعات العام الماضي إلى أن حوالي 785 ألف شخص أصيبوا بنوبة جديدة للجلطة القلبية. وأن حوالي 470 ألف شخص من الذين أُصيبوا بنوبة الجلطة القلبية في السابق، تكرر لديهم حصول تلك النوبة القلبية. وباعتبار عدد السكان، البالغ حوالي 300 مليون نسمة، سيصاب شخص بالنوبة القلبية كل 25 ثانية، وسيموت شخص واحد في كل دقيقة جراء النوبة القلبية.
والأهم في الأمر برمته، أن نصف الوفيات الناجمة عن الإصابة بالنوبة القلبية، إنما تحصل في خلال الساعة الأولى. أي بُعيد بدء ظهور أعراض ومظاهر الشكوى من النوبة القلبية، وقبل وصول المُصاب إلى المستشفى.
وبالمناسبة، تتشابه نسبة انتشار أمراض شرايين القلب في الولايات المتحدة وأوروبا مع عدة دول عربية، كالسعودية وغيرها.
النساء والرجال
تدل الإحصائيات الطبية والتي اجريت في الولايات المتحدة، كنموذج لما يمكن أن يحصل في أي مكان آخر، إلى أن أمراض القلب ليست شيئا خاصا بالرجال، بل تشكل النساء نسبة 52% من مجموع المتوفين جراء هذه الأمراض.
وتؤكد رابطة القلب الأميركية أن احتمالات إصابة شخص ما، بأمراض شرايين القلب، يمكن خفضها من خلال اتباع خطوات الوقاية، ومن خلال ضبط العوامل التي في اضطرابها رفع خطورة الإصابة بأمراض الشرايين تلك. كما أن معرفة الناس بمظاهر وعلامات الإصابة بالنوبة القلبية، هو أمر عالي الإيجابية في تحديد مستقبل صحة وحياة الإنسان المصاب. ويجب ألا يغيب عن ذهن من أصيب بالنوبة القلبية، أو ذهن أقربائه ومن يعيشون معه، أن ثمة الكثير مما يمكن فعله بعد تجاوز «أزمة» الإصابة بالنوبة القلبية. وذلك لحمايته من تكرار الإصابة بها، وهو احتمال وارد في أي وقت. وأيضا لإعادة الصحة والعافية لقلبه الذي تضرر جراء الإصابة بتلك النوبة القلبية.
وأهم العوامل التي تتسبب في رفع احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب هي الإصابة بمرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول والدهون الثلاثية، والتدخين، والسمنة، وعيش حياة الكسل والخمول. وهذه العوامل يمكن التعامل معها بجدية إيجابية لضبطها.
نوبة قلبية لا سينمائي
ولرابطة القلب الأميركية عبارة مهمة، وهي أن كثيرا من الناس يعتقدون أن ألم نوبة الجلطة القلبية يحصل بشكل مفاجئ وشديد. أي مثلما يشاهدون في أفلام السينما، على حد قولها، حينما «يُكلبش» الرجل أو المرأة بيديه على صدره ثم يهوي صريعا على الأرض! وبالتالي يتوقع غالبية هؤلاء الناس أن يحصل هذا السيناريو بحذافيره كي يؤمنوا بأن ثمة نوبة قلبية تعصف بحياة إنسان ما. وبسبب هذا التوقع الواهم، غالبا لا يكون المصاب، أو من يشاهده، متأكدا من أن الذي يجري علامة على وجود النوبة القلبية. ويأخذ طريق «انتظر لنرى ما سيحصل» عوضا عن «التوجه مباشرة للمستشفى».
والواقع غير هذا، إذْ أحيانا قد تظهر النوبة القلبية بشكل مفاجئ وبألم شديد. إلا أن الأهم من هذا، والذي يجري في معظم الحالات، هو أن الإصابة تلك تبدأ بالظهور بشكل بطيء، وبشدة متوسطة أو بسيطة. وغالبا لا يكون المصابون متأكدون بالضبط مما يجري لهم. بمعنى أن غالبية المرضى هؤلاء لا يستطيعون تحديد ما هو بالضبط الشيء غير الطبيعي الذي يمرون به ويعانون منه. وهاتان الملاحظتان، أي بطء ظهور الأعراض وعدم المعرفة بسبب المعاناة، يجعلان الشخص المصاب عرضة للتأخر في طلب المعونة الطبية. وبالنتيجة، كما تقول إصدارات رابطة القلب الأميركية: غالبية ضحايا النوبة القلبية ينتظرون لمدة ساعتين أو أكثر، من بعد ظهور الأعراض عليهم، قبل بدئهم التوجه لطلب المعونة الطبية. وهذا التأخير يُمكن أن يُؤدي إلى الوفاة أو إلى حصول تلف دائم في أجزاء من القلب، ما يقلل من قدراتهم البدنية على ممارسة أنشطة الحياة اليومية لاحقا. وعلى سبيل المثال يشعر شخص ما بأن لديه ألما بسيطا يضغط على صدره، أو بألم في منطقة المعدة، فلا يخطر على باله أن المشكلة قد تكون من قلبه. ولأن الأمر لا يتطور بسرعة، ولأن الألم لا يتناسب مع ما قد يعتقد الشخص بأنه «يجب أن يكون» في ألم القلب، يتأخر الشخص في الذهاب إلى المستشفى أو قد لا يلقي بالا للأمر برمته. وحينما تبدأ فصول الدراما في التطور السريع وتزداد شدة الإحساس في الصدر، يكون الوقت قد تأخر نسبيا.
النجاة عند النوبة القلبية
تعمل المؤسسة القومية الأميركية للقلب والرئة والدم: التصرف السريع، للوصول إلى المستشفى في وقت مبكر جدا، هو أفضل سلاح لنجاح مواجهة إصابة النوبة القلبية. أما لماذا؟ فتجيب مُعقبة بأن تلقي الأدوية المُذيبة للجلطة الدموية التي تسبب تكونها في سد مجرى الشريان القلبي، وتلقي غيرها من الأدوية المُوسّعة للشرايين، بإمكانه أن يوقف تمادي استمرار النوبة القلبية. وبإمكانه أيضا منع أو تقليل حجم الضرر الذي طال عضلة القلب. كل هذه الفوائد مشروطة بتلقي تلك الأدوية مباشرة بُعيد ظهور الأعراض. وكلما تلقاها المصاب في وقت مبكر، كلما أدت عملها بنتيجة أفضل. وبالتالي ارتفعت فرص النجاة والحفاظ على الروح، وفرص تخطي مرحلة الأزمة الصحية تلك بسرعة وبأقل خسائر. وتحديدا، إذا ما تلقى المصاب تلك الأدوية خلال الساعة الأولى بُعيد بدء أحداث الإصابة بالنوبة القلبية. ولذا فإن إدراك الإنسان للعلامات والمظاهر المُنذرة بوجود مشكلة في شرايين القلب ووجود تأثير لهذه المشكلة على عضلة قلبه، هو أمر حيوي، أي أمر فيه سلامة حياته، حينما يكون هو المُعاني، أو سلامة حياة الأشخاص من حوله، حينما يكون أحدهم يُعاني من المشكلة. والحقيقة أن معرفة الإنسان لمظاهر وأعراض الإصابة بالنوبة القلبية أهم من معرفة كثير من المعلومات الطبية المتعلقة بأمراض ذات أهمية أقل، وذات خطورة أقل على ضمان سلامة الحياة.
العلامات والمظاهر المُنذرة
تدل رابطة القلب الأميركية ومراكز السيطرة على أن الأمراض والوقاية، وغيرهما من الهيئات المعنية بصحة القلب وسلامة الحياة، إلى مجموعة من الأعراض التي أحدها قد يكون علامة ومظهرا لوجود وضع غير مستقر في شرايين القلب. وهي:
* «انزعاج أو ألم بسيط أو عدم ارتياح» discomfort، في منطقة الصدر. وغالبية حالات النوبة القلبية يكون فيها «انزعاج أو ألم بسيط أو عدم ارتياح» في منطقة «وسط» الصدر. وقد يستمر لبضع دقائق متواصلة أو يزول ثم يعود مجددا. ومع ذلك، ثمّة بعض الحالات التي لا يكون فيها الألم بتلك الصفة، بل هو شعور بالضغط على الصدر أو الشيء الذي يعصر بالصدر أو الإحساس بالامتلاء في البطن أو بالتلبك المعوي أو الحرقة في منطقة المعدة بأعلى البطن. ·قد تُؤدي النوبة القلبية إلى نوع من الألم في المنطقة الممتدة ما بين الفك السفلي إلى حد السّرة بالبطن. أي ما يشمل الألم أو عدم الارتياح في أي من العضدين أو الظهر أو ما بين الكتفين أو الرقبة أو الفك السفلي أو أعلى البطن.
* ضيق في النفس، أو «كتمة» في الصدر. وهذا الضيق قد يكون مصحوبا بألم الصدر أو غير مصحوب به.
* هناك علامات أخرى مصاحبة للألم، كإفراز العرق «البارد» على الوجه أو الصدر. أي غير العرق الطبيعي الناتج عن بذل المجهود البدني أو التعرض للحرارة. وكالغثيان أو القيء، أو الدوار والدوخة.
وهذه العناصر الأربعة، على بساطتها في العرض والفهم، هي الأساس في إدراك مظاهر وعلامات الإصابة بالنوبة القلبية. وبالتالي في القيام بالتصرف السليم لإنقاذ «روح» إنسان مُصاب بها.
وعلينا تذكر أن الأعمال العظيمة ليست بالضرورة شاقة أو صعبة، بل الأعمال العظيمة هي الأعمال الصحيحة، حتى لو كانت بسيطة وسهلة. ولذا فإن التنبه البسيط لمظاهر النوبة القلبية يُعطي فرصة ذهبية لعلاجها في وقت مبكر.
المراجع
dallah-hospital.com
التصانيف
أحياء الطبي طب العلوم التطبيقية