لم ترق حملات مكافحة شبهات الفساد في حقب وزارية متتالية خلال السنوات الماضية كثيرا عن حملات مغرضة تستهدف أفرادا بعينهم دون سواهم، ولم تكن تلك المساعي مترفعة كثيرا عن أسلوب اغتيال الشخصية باستغلال للقانون، ولم تكن تلك الإحالات للقضاء بعيدة عن صراع القوى المتنفعة والمؤثرة وعمليات تصفية للحسابات أضعفت كثيرا من مصداقية الكلام واللغط الكثير الذي كان يخرج من أفواه المسؤولين. 
وللأسف، ولا نريد أن نقسو كثيرا، ولكن كانت حتى بعض قضايا الفساد مفتعلة ولا تستند إلى أدلة وليست بعيدة عن "حراك مشبوه" لقوى الشد العكسي التي تتخندق وتحتمي بشعارات الإصلاح ومحاربة الفساد، وهي التي ستكون أولى ضحايا معركة حقيقية ضد الفساد المستتر والمتخفي والمتجذر في أروقة الدولة والقطاع الخاص.
 ولا غرابة في فقدان الثقة الذي يعيشه الشارع اليوم، وأغضب النخب النزيهة البعيدة عن الشارع التي تريد محاسبة صارمة تكون عبرة للآخرين لا استهدافا واغتيالا للشخصية وسيفا مسلطا على الرقاب يوجه إلى الخصوم بدل أن يكون سيف عدل يرسخ مجتمع العدالة والمواطنة الصالحة. 
لا يمكن أن تستقيم الأمور دون ترسيخ ثقة المواطن بأن لا أحد فوق القانون، وأن نفس المعايير التي تطبق على فلان من الناس تطبق على آخر مهما علا شأنه ومرتبته المجتمعية. 
إن توظيف الحملة لمحاربة الفساد كسلاح خفي للجهات التي تكون أولى ضحايا الانفتاح والشفافية هو الذي أخاف الكثيرين ورسخ قناعتهم بأن ما يتم ما هو إلا توظيف بشع للمشاعر الغاضبة للناس التي شجع الربيع العربي بروزها ضد فساد مستحكم وترعرع في غياب الديمقراطية وتراجع الحريات. 
 وباتت الطريقة التي يتم فيها استهداف الأفراد في سياق الكيدية والابتزاز، وهو ما يقوض العدالة المبتغاة، فلا يمكن أن يستهدف رجل أعمال أو اثنان دون سواهم في إطار أجواء محمومة تضع علامات تساؤل حول الغايات، وخصوصا أن سقف الحريات كبر وتوسع اليوم في أجواء الربيع العربي للحديث بصراحة عن ظاهرة الفساد التي لم تستثن طرفا دون آخر أو فئة مجتمعية دون أخرى.
 إن الأفراد تواقون لمحاكمات نزيهة وعادلة تكون مفتوحة للجميع يعطى فيها المدان والمتهم أقصى الحقوق، خصوصا، عندما تكون كل أجواء الرأي العام مشحونة ضدهم ويدانون سلفا حتى نخرج بأقصى درجات العدالة البشرية الممكنة.
 نسمع عن حالات كثيرة لقضايا الفساد، ولم نر حتى يومنا هذا محاكمات يتم فيها علانية كشف المستور وتشفي غليل الناس عبر مرافعات كل الأطراف، ترسخ عدالة مجتمعية أكبر.
ولا أرى كيف يمكن أن يُردع المتحصنون بثقلهم المجتمعي وهم يرون كيف يُزجّ بالصغار في قضايا يحاسبون فيها على الفتات ليصبحوا كبش فداء وإلهاء للأنظار لم يعد ينطلي على أحد.
 ولا يخفى على أحد التأثيرات الضارة التي جلبها أسلوب الاستهداف في فتح ملفات الفساد التي أخافت الكثير من رجال الأعمال النزيهين، لأنه سيسهل على أي كان استهدافهم وابتزازهم وكل هذا جمّد الأموال وشل القرارات وأفقد البلاد الكثير من الأموال التي تحرك الاقتصاد.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  سليمان الخالدي