تذهب التفاعلات السياسية العربية نحو المزيد من التعقيد والتحلل وانفراط عقد الخلافات التقليدية في عقدة أكثر خطورة، بعدما أوضح مستوى التمثيل السعودي المعلن عنه في أعمال قمة دمشق حجم حدة الخلافات بين البلدين، ما يحمل إشارة سريعة لمواقف متتابعة أخذت تعلن عن نفسها على مستوى التمثيل في القمة لما يعرف بدول الاعتدال العربي وغيرها، بينما ترك الموقف السعودي الباب مفتوحا لما ستصل إليه حدة الخلافات في الوقت الذي سحبت به السعودية سفيرها من دمشق وعينته في الدوحة دون بديل.
باتت ملامح القمة واضحة ليس في بيانها الختامي المتفق عليه، والذي لن يأتي بجديد كالعادة، بل فيما ستؤول إليه تداعيات القمة من أزمات سوف تتبعها في اليوم التالي، ما يجعل من انعقاد القمة بكاملها لا يعدو أكثر من مناسبة لجلب المزيد من التعاسة السياسية لهذه المنطقة تضاف لتراث العرب الحديث في إبداع العدمية السياسية وتعميمها على طول هذا العالم العربي وعرضه.
ليس من المعقول ولا المطلوب الرهان على المزيد من الانهيار أو الاندثار للنظام الإقليمي العربي، فهذا النظام لا يرغب حتى الأعداء التاريخيون له بأن يتدهور أكثر من وضعه الحالي، المطلوب اليوم وأكثر من أي وقت سابق ان تولد نظم إقليمية أخرى في المنطقة في كنف النظام العتيق المتعب وأخرى تخترقه وثالثة على هوامشه، الأخطاء المميتة التي يرتكبها زعماء المحاور العربية، انهم يرتكبون أخطاء مركبة، ويواجهون الخطأ بالخطأ ما يذكر بالدروس الأولى في تعديل السلوك لدى الأطفال والمراهقين.
تذهب هذه الفرضية نحو نتائج ما سيفضي اليه الإصرار السوري على التمسك بالحيرة الاستراتيجية، وعدم مغادرتها لجهة التمكن من إرادة تحويل فرصة انعقاد القمة الى مناورة سياسية واستراتيجية تخرجها والمنطقة من ظل إيران دون ان تخسر دمشق طهران وهو خيار قاس على دمشق في هذا الوقت؛ بينما يعني مسك زمام المبادرة منح دمشق استثمار فرصة القمة باستعادة العرب حولها بدلا من الغربة السياسية والعزلة التي أبعدتها طوال السنوات الماضية، هذا السلوك يرد عليه اليوم من قبل الطرف الآخر بمنطق رد الفعل وبالمزيد من التعقيد على طريقة مستوى التمثيل، أي ان الموقف أصبح سلسلة من الأخطاء المركبة والمربكة، التي تفضي بالمزيد من الظلال القاتمة على كل الثقوب السوداء في لبنان وبين غزة ورام الله والعراق وغيرها من قضايا معطلة بفعل حالة الاستقطاب المزمنة.
اليوم التالي يشير الى ان لا فرصة واضحة لالتقاط الأنفاس، فالعجز الواضح في ان تحمل القمة مناورة سياسية جديدة أضاع فرصة ممكنة لحوار مصالح وحوار أنداد يمتد بين طهران والرياض عبر دمشق، بعد صمت طويل واسترخاء سياسي واستراتيجي اتاح فرصة ثمينة لطهران بالتمدد الاستراتيجي وخلق الجيوب التي يصعب تجاوزها بسهولة، بينما تسير الأمور على الساحة اللبنانية نحو المزيد من الاستقطاب، وربما المزيد من العنف والعصف الأمني، في هذا الوقت أخذت الإدارة الأميركية علما أكيدا بأن القمة اعجز من توصيل حتى آخر رسالة للإدارة الراحلة، ولن يكتفي الرئيس الأميركي في زيارته الأخيرة للمنطقة في أيار القادم بمباركة اسرائيل باحتفالها بذكرى اغتصاب فلسطين أو يوم تأسيسها، بل وبمباركة رؤيتها في إدارة الأمر الواقع مع الفلسطينيين والعرب.
لم تشهد المنطقة منذ عقود حالة من الرهانات السياسية كما نشهده هذه الأيام. فاحتمالات الحرب والسلام مطلقة، ويتوفر لكل منها الحجة والنصيب بنفس القدر، فالحرب الشاملة التي قد نراها ابعد ما تكون هي في نفس الوقت قريبة جداً؛ وجبهاتها ومصادر نارها متعددة أيضا، وكذلك السلام! فقد بات اللاعبون الإقليميون فاقدين للبوصلة والدليل أكثر من أي وقت مضى منذ قرابة أربعة عقود لم يتوقف خلالها جدل المبادرات والمحاجات السياسية، وان استبدلت أحيانا الكلمات بالطلقات، الفراغ السياسي الراهن يعني عدم قدرة الأطراف الإقليمية والدولية وعدم نضوج إرادتها في إجراء جراحات عاجلة وجذرية لمشاكل الإقليم وتحمل آلامها، بعد ان بات من الواضح أين تكمن جذور كل هذه التعقيدات.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد