مواقف كثيرة نمر بها في حياتنا العمل فيها يكون أبلغ من الكلام ، و لكننا مع الأسف نكتفي بالكلام إما عجزاً عن الفعل ، أو سوء تقدير للموقف ، أو سلبية ! ، فنحن في كثير من الأحيان نتكلم أكثر مما نعمل . فمثلاً ، قد يشتكي قريب لك أو أخ ضيق حاله و ديناً قد ركبه ، أملاً في أن تساعده ، فإن لم تكن قادراً على مساعدته بمالك ، فلا تكتفِ بالاعتذار و تطييب خاطره ببضع كلمات ، و لا تكتفِ بالمشاعر و النوايا الطيبة ، و إن كان لها مكانها ، و لكن حولها إلى حركة واقعية .. قم معه و حاول أن تجد له حلاً تنفس بها عنه كربته ، فأنت بهذا الفعل سترفع من معنوياته ، و ستشعره بأن له أرحاماً و إخواناً يقفون بجانبه في الشدائد و الأزمات و المحن ، و يتراحمون فيما بينهم ، فالرحم رحمة ، و المؤمنون إخوة .
قال أبو عثمان – شيخ البخاري – يرحمه الله : (( ما سألني أحد حاجة إلا قمت له بنفسي ، فإن تم و إلا قمت له بمالي ، فإن تم و إلا استعنا له بالإخوان ، فإن تم و إلا استعنت له بالسلطان )) . و روي عن ابن عباس – رضي الله عنه – (( أنه كان معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه رجل فسلم عليه ثم جلس ، فقال له ابن عباس : يا فلان ، أراك مكتئباً حزيناً ، قال نعم يا ابن عم رسول الله ، لفلان علي حق ولاء ... قال ابن عباس : أفلا أكلمه فيك ؟ فقال : إن أحببت ، قال : فانتعل ابن عباس ثم خرج من المسجد ، فقال له الرجل : أنسيت ما كنت فيه ؟ قال : لا ، ولكني سمعت صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم والعهد به قريب فدمعت عيناه وهو يقول من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين .. ))[إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما ، المنذري - الترغيب والترهيب : 2/156 ] . هذا فقه عز أن نجده في زماننا !! .
و الأرقى من هذا ، أن تتفقد أرحامك و إخوانك ، و تسأل عن أحوالهم و حاجاتهم المادية و المعنوية قبل أن يسألوك ، و خاصة الفقراء منهم ، فبهذا تقوى الأواصر و الروابط ، و تشيع المحبة ، و تصفى القلوب .
حدثت مرة سرقة في أحد المراكز ، فطلبت من الأخوات العضوات في لجنة المركز أن يخبرنني بالواقعة ، فقلن بأن المديرة كانت تسجل أسماء المشتركات في النادي الصيفي و تقبض النقود ، ثم تضعها في حافظة الأشياء الخاصة بها و تتركها على الطاولة دون احتراز من فقدان النقود ! و قد نبهنها على ذلك ، و لكنها لم تستجب ، ثم خرجت لتتفق مع سائق الباص ، و عادت بعد دقائق معدودة . و في نهاية اليوم ، و بعد انتهاء التسجيل ، فتحت الحافظة فلم تجد النقود ! .. طبعاً للقصة تتمة ، و لكن الشاهد هنا ، أن الأخوات اكتفين بالكلام ، و وقفن موقف المتفرج فقط . فقلت لهن : لماذا لم تقم واحدة منكن بحمل الحافظة إلى أن تنتهي عملية التسجيل ؟ فالمديرة كانت مشغولة و منهمكة في العمل ، و ربما هذا الذي شوش عليها إدراك خطورة ترك الحافظة هكذا دون اكتراث ! ، و لكن هذا ليس عذراً ، فالمديرة مقصرة ، و كذلك باقي الأخوات المتواجدات في المكان ، فقد كان موقفهن سلبياً ، لأن الموقف كان يستدعي حركة و فعلاً و ليس كلاماً و انتقاداً ، و لكن يبدو أننا تعودنا على الكلام أكثر من الأفعال !! ، و أنا لا أريد أن أتحدث هنا عن فردية العمل ، و عدم توزيع الأدوار و تحمل المسؤولية ، فهذه قضية أخرى لا يتسع المقام لذكرها الآن ! .
إننا لو تأملنا و نظرنا نظرة فاحصة في المواقف التي نعيشها يومياً ، لوجدنا أن كثيراً منا في حقيقة الأمر يتصرف في كثير منها بنفس السلبية التي تصرف بها الأخوات في حادثة السرقة آنفة الذكر ، و حتى عندما نرى ما لا يعجبنا نكتفي فقط بالانتقاد و التوجيهات .. كان يجب فعل كذا ، و ما كان ينبغي فعل كذا .. ، مع أن الأجدى من هذا أن نغير بأيدينا إن أمكن ، أو أن نفكر بأفكار بديلة أكثر نفعاً و جدوى ، فهذه طريقة للتغيير العملي ، و أنا متاكدة من أن هناك فعلاً من يستطيع هذا إلا أنه لا يتحرك لسبب أو لآخر !! .
فلنكف عن الكلام ، و لنبدأ بالتحرك ، فقد آن أوان العمل ، و ليقم كل واحد بدوره ، و بالحركة التي يستطيع ، و ليؤد ما عليه ، و ليعن كل واحد منا الآخر ، و يكفينا هذا التأخر و هذا التخلف .. يا أمة تربو على المليار !!! .
رباه أدر لطفك معنا حيث درنا ، و يسر لنا الخير إذا احترنا ، و أنر بالإيمان دربنا حيث سرنا ... اللهم آمين ، و الحمد لله رب العالمين .

المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع