نستغرب حماسة نيابية دبت فجأة حول تعديلات وضعتها اللجنة المالية في المجلس لمشروع الموازنة، وتقول إنها جوهرية عندما تركز على مبالغات مزعومة في تقديرات المعونات الخارجية وتلتف عما يجب عدم تجاهله بخصوص ما تعانيه الموازنة من خلل هيكلي وإفراط في الإنفاق أديا إلى أن تصبح موازنتنا أقرب لصندوق رواتب وتقاعد منه أي شيء آخر.
فالقاصي والداني يعرفان أن المساعدات الخارجية تخضع لأهواء السياسة الخارجية ومواقف المانحين تجاهنا أكثر من أي شيء. وفي الوقت نفسه نستغرب اختفاء الحماسة لأي حاجة للتقنين وضبط المصروفات الحكومية أو دق ناقوس الخطر عن نزيف في المالية العامة فاقمها الربيع العربي بفعل حكومات تسعى لإسكات الشارع من مواجهة التحديات الاقتصادية.
ولم نسمع أحدا من النواب يقول كفى رضوخا للمطالبات الفئوية غير المحقة التي يسددها الوطن من فاتورة الأجيال. ولا نرى سوى مزايدات تتلوها مزايدات تسعى لكسب شعبية آنية دون الاتفات إلى ما يكلف الوطن عند الرضوخ لمطالب فئوية تجعل كثيرين يتسابقون للاستحواذ على المنافع والعطايا ويكون الخاسر فيها الوطن.
لا أحد يتحدث عن الإرث الصعب للحكومة الحالية من حكومات سابقة أنفقت دون حساب وأوجدت طبقة من كبار البيروقراطيين وبمزاياهم يحاربون لإبقاء المصالح المكتسبة في وقت يتم الحديث عن جزئية إنفاق هنا وهناك.
ولعل ما يحصل اليوم نتاج لممارسات ماضية جاء الربيع العربي مناسبة قوية لتلك البيروقراطية المنتفعة لتجييرها لصالحها وقلبت المفاهيم وباتت الوظيفة وما يلحقها حقا مكتسبا، وكأن الابتزاز بات حقا مشروعا لطالما يفعل الآخرون. وبالطبع في هكذا أجواء هل نلوم المقهورين والمهمّشين الذين يخرجون للشارع أسوة بالآخرين؟.
إلا أن مسؤولية كبرى تقع على عاتق النواب للحديث عن مضار مسلسل ابتزاز يقوده كثير منهم بعيدا عن الإصلاح، ولا نعرف إلى أين يقودنا.
أين الهمّ الوطني في المطالبات التي تضيف عبئا تلو العبء وتقوّض فرص الإنفاق الاستثماري على مدارسنا ومستشفياتنا المتآكلة. ولا ندري لماذا يتصور نوابنا الكرام أننا بالضرورة سنفلت من مصير دول كاليونان تسبب انفلات الإنفاق العام فيها، الذي صاحبه فساد بيروقراطي مستشر إلى وصولها إلى ما وصلت إليه من أزمات.
لقد اختلط مفهوم الإصلاح في الأردن حتى بات يعني للبعض المزيد من المطالبات، وكأننا جيّرنا روح التغيير الإيجابي الذي بعثه الربيع العربي في أنانية وفئوية مفرطة، ولم نسمع من نائب واحد يتحدث عن الحاجة أكثر من أي وقت مضى للقضاء على كل مظاهر الترهل التي أثقلت كاهل الخزينة وكبّلت قدرة أي مسؤول صادق يسعى لإصلاح لا يرتبط بنهج المحاباة.
إن الإصلاح الحقيقي الذي يرسخ الإحساس بالعدالة هو الكفيل بامتصاص احتقان الشريحة الدنيا من الموظفين، الذي فجرته كل مظاهر الفساد لكبار البيروقراطيين.
وعندما يبدأ نوابنا الكرام بالحديث بصوت عال عن كل مظاهر الترهل الإداري والانفاق الجاري التي استنزفت المال العام وحين تعلو أصواتهم بضرورة العمل لخفض عجز الموازنة حينها فقط يكونون جديرين بتعديلات ترتقي إلى الجوهرية!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة سليمان الخالدي