يبدو أن خيارات الحكومة باتت محدودة في إيجاد مصادر جديدة لتمويل عجوزات الموازنة مع صعوبة زيادة ما يمكن أن يمنحه الأصدقاء والمانحون التقليديون مقارنة بما يقدمونه الآن.  وتجد الحكومة نفسها مضطرة نحو أسهل الحلول وفي طريقنا نحو السير بركب دول أخرى مجاورة مثل لبنان، على سبيل المثال، والتي بات الاقراض من البنوك يشكل أهم مصادر تمويل حكومة تجاوزت فيها معدلات الدين الخطوط الحمراء. 
فقيام البنك المركزي برفع القيود السابقة على حجم اكتتاب البنوك خطوة تعكس رغبة السلطات النقدية، لاستقطاب البنوك الكبيرة للاستثمار بحجم أكبر في سوق السندات الذي بات اليوم يشكل أكبر مصدر لتمويل عجوزاتنا المتنامية التي فاقمها الربيع العربي مع زيادة المستحقات المالية من كل صوب واتجاه، لدرجة لم تعد تعرف الحكومة أي قنبلة موقوتة سيفجرها حراك من هنا أو هناك أو اعتصام أو إضراب .
وستشجع رفع نسبة الخمسين بالمائة كسقف أعلى لاكتتاب البنك الواحد في أي مزاد للسندات على تغطية أكبر للسندات التي بات طرحها بوتيرة أسرع من قبل عندما نرى البنك المركزي يطرح سندات بمائة مليون دينار كل يومين او ثلاثة. 
ولا شك أن أسعار الفائدة التي تفوق كثيرا ما هو متاح في السوق عامل أساسي جاذب عندما تصل الى فوق 6 % على سندات العامين و4 % على سندات العام، فلا غرابة أن يكون الاقبال عليها جيدا خصوصا أن خطوة البنك المركزي ستزيد أيضا مناخ كفاءة التسعير. 
وبالطبع، فإن المنحى التصاعدي لاسعار الفائدة لأجل إبقاء جاذبية الأصول المقومة بالدينار  سيجعلها لفترة قادمة ربما من أكثر أدوات الاستثمار المقبلة عليها البنوك من أي مجال آخر لتوظيف أموالها الفائضة. 
ولا يخفى على أحد الاضرار التي تنجم عن تزايد دخول البنوك للاستثمار في أدوات الدين الحكومي التي تصبح الحكومة فيها تزاحم القطاع الخاص الأحوج للتمويل، خصوصا أننا نتكلم عن عدة مليارات من السيولة التي ستذهب نحو سندات وأذونات يتوقع أن تصدرها الحكومة هذا العام، عدا عن سداد أذونات تستحق ايضا هذا العام. 
 وسيستمر التباطؤ الاقتصادي في عدم تحفيز البنوك على التوسع في الإقراض مع بقاء تعثر الكثير من كبار الدائنين، ليعني ذلك بالضرورة أن البنوك لن تتوانى عن المضي في وضع المزيد من سيولتها الفائضة في سندات وأذونات تعطيها عائدا مجديا يعلو بكثير عما يمكن أن تحصل عليه في توظيفها لتلك الودائع في الخارج.
نحن اليوم أمام تحديات ارتفاع كبير للمديونية في نهاية العام يزيد من فرص احتمالاتها استمرار منحى رفع اسعار الفائدة لأجل الحفاظ على جاذبية ودائع الدينار التي تأثرت من جراء عدم اليقين والاضطراب السائد في المنطقة وتداعياته على المناخ الاستثماري المحلي.
إن زيادة الدين المحلي أمر مقلق، خصوصا أنه يعكس عدم كفاية المنح والقروض الاجنبية الميسرة والأقل كلفة عن تسديد القسط الأكبر من عجوزات الموازنة، كما كان في السابق.
وها نحن اليوم أمام إحدى نتائج التضخم غير المبرر في الإنفاق الحكومي الذي شهدناه الذي لن يكون هناك مفر من دفع ثمنه عاجلا أم آجلا من فاتورة الأجيال المقبلة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  سليمان الخالدي