حكومة فايز الطراونة الرابعة في أربعة عشر شهرا تواجه تحديات اقتصادية متعاظمة على أكثر من صعيد، جراء ضغوط الشارع التي لم تهدأ مند اندلاع الربيع العربي. 
فعجز الإدارات المتعاقبة عن اتخاذ الإصلاحات الاقتصادية الملحة لتصحيح مسار مالي متدهور عمق الأزمة، لأنه صاحبتها الهواجس التي تبعثها أي محاولة لضبط الإنفاق الحكومي وتقنين فاتورة دعم متصاعدة، مخافة أن تخلق المزيد من الاحتقان في الشارع. وأدى رضوخ حكومات متعاقبة للكثير من مطالب الشارع لشراء السلم الاجتماعي، إلى رفع الكلف التى تحملتها الحكومات، واقترابنا من مرحلة نجد معها أنفسنا بعد قليل غير قادرين على الاستمرار في المضي في تسديدها. ونحن نعرف هيكلية اقتصاد مرتهن للمساعدات من الخارج من جهة، ويعتمد على التدفقات الاستثمارية من الخارج أيضا من جهة أخرى.
إن إصلاحا اقتصاديا يزيل بؤر الاحتقان السياسي الذي شهدناه، كفيل بأن يدفعنا نحو أفق مستقبل اقتصادي أكثر إشراقا لنا ولأبنائنا، بدل طريق تهدم ما حققنا من نمو وإنجاز خلال العقود التي مضت، وأدت إلى هذه النهضة، رغم كل ما يقال عما حصل من تهميش اقتصادي، واتساع في الفجوة المجتمعية خلال حقبة الإصلاحات الاقتصادية.
كان ملحا أن يصاحب ردة الفعل التي جاءت في أعقاب الربيع العربي إعادة نظر في نهج منفلت لاقتصاد حر يعمل في غياب الرقابة والشفافية، إلا أنه في ذات الوقت فإن إعادة الاعتبار لدور اقتصادي أكبر للدولة يؤدي إلى الاحتكار، ويخلق كثيرا من التشوهات التي كانت سببا في خصخصة مشوهة، ما يعيدنا إلى مربع أول لا يمكن أن يؤسس لتنمية مستدامة.
مطلوب من الحكومة أن لا تسير في ركب أسلافها في شراء السلم الاجتماعي، عبر زيادات الرواتب والعطايا، والتي يمكن أن تكون تقليدا ناجحا في دول الخليج الغنية بالثروة من مورد النفط، فيما نحن في الأردن في وضع صعب، والرضوخ للمطالب التي ورثتها من حكومات سابقة سيعجل في أزمة اقتصادية باتت في الأفق. 
ربما كان لا مفر من امتصاص موجة التسويات العمالية الأخيرة التي أنصفت الكثيرين، خصوصا في بعض الشركات المساهمة العامة الكبرى، إلا أن استمرار المطالبات التي نسمع عنها الآن ينذر بخطر كبير، خصوصا في ضوء غياب أي مؤشرات على مساعدات أجنبية طارئة، واستمرار التباطؤ الاقتصادي، وتأثير بعض الزيادات الكبيرة على إيرادات الشركات وربحيتها.
إن خلاص حكومة الطراونة يكمن في إدارة اقتصادية كفؤة وتكنوقراطية، تعيد الاستثمارات المولدة للوظائف التي نحن في أمس الحاجة إليها، عبر إعادة الثقة لقطاع خاص مرعوب ويشعر بالاستهداف، ويحتاج إلى طمأنة حتى يعيد تحريك أمواله المجمدة. 
والخطابات وحدها لا تكفي لامتصاص كل هذا الغضب في الشارع، والذي مبعثه قهر اقتصادي وشعور بالتهميش.. لن يكون ممكنا للحكومة الرابعة منذ الربيع العربي أن تستمر كخليفتها بتقديم المُسكّن تلو المُسكّن، أو شراء السلم الاجتماعي بمزيد من المحاباة والاسترضاء وتأجيل الاستحقاقات الاقتصادية الملحة. ببساطة، فإن تلك الكلف باتت أعلى من كلف الإصلاح الاقتصادي الحقيقي المطلوب.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  سليمان الخالدي