من واجبنا ان نقول لجلالة الملك كيف ان بعضا من أكثر المتفائلين بالاصلاح أصبحوا من "جمهور المتشككين" الذين تحدث عنهم في خطابه الهام في جامعة شيكاغو.
أنا واحد من هؤلاء، الذين من فرط ما كتبوا وراهنوا على الاصلاح والتنمية السياسية نال سخرية أصدقائه، ثم شماتتهم، بعد ما آلت اليه القضية.
يقول جلالة الملك : "... وهذا يقودني الى التحدّي الثاني، المتمثل في جمهور المتشككين. هؤلاء يتساءلون فيما اذا كان هذا الاصلاح سيحدث فعلا؟ وبعضهم يسخر من الموضوع ويشكك فيه، بينما يتخذ الكثيرون موقفا قوامه: "لننتظر ونرى"، وهم يتساءلون فيما اذا كان التزام القيادة الضروري لإدامة الاصلاح متوافرا؟"
نعم، هكذا هي الامور فعلا، ولنقص الرواية بإيجاز.
جاءت اول اشارة للتنمية السياسية في برنامج حكومة الرئيس علي ابو الراغب، وقد ضغطنا من اجل ترجمتها الى عمل. وحانت الفرصة مع تشكيل لجان "الاردن اولا"، التي تشرفنا بالمشاركة فيها، لكن مقترحاتها وضعت على الرف. ثم جاءت حكومة الرئيس فيصل الفايز، وقد تصدرت التنمية السياسية برنامجها مع وزارة خاصّة لها، ثم بعد عام، ودون انجاز خطوة واحدة، تغيرت اللهجة حول الاولويات، واستبعد في التعديل وزير التنمية السياسية المتحمس، لكن الوزير الجديد تابع العمل بإخلاص، وقدمنا له كل الدعم والتشجيع، مع اننا كنّا نشعر انه بلا تفويض حقيقي. وعندما قدّم الوزير حصيلة جهده، مشروعا لقانون الاحزاب، كان الملف بأسره ينقل الى مكان آخر؛ هو لجنة الاجندة الوطنية، و"طار" الوزير وحكومة "التنمية السياسية" كلها.
ان مريضا ابديا بالتفاؤل، مثلي، أصيب بنوبة احباط عميقة. فقد بدا ان كل المشروع نوع من التلهي، والتنقل به كل مرّة ليبدأ من نقطة الصفر، يهدف إلى إيهام الخارج بحركة تقدم مستمرة، فيما لا شيء يحدث في الواقع.
ويقول جلالته: "... لهذه المجموعة أقول: انني مصغ اليكم، واتفهم موقفكم، وأعرف ان الجواب الوحيد المقنع بصدق هو التقدم والنجاح". وهذا الانتباه لأزمة المصداقية الخطيرة التي أصابت مشروع الاصلاح -الديمقراطي خصوصا- يعيد نفحنا بروح الأمل. فأحيانا، ساد الانطباع ان الشيء الحقيقي الوحيد الذي يحدث هو "البزنس"،الدي لا تطاله المساءلة والشفافية! لكننا لا نروج ابدا للإحباط والسوداوية، فهذا بلدنا الذي ليس لنا غيره، ونتمسك بكل بارقة أمل.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد صحافة جميل النمري