تمّ إنجاز المصالحة مع المعارضة الشمالية والجنوبية، وبقي الصراع الدائر في الخاصرة الغربية للسودان في دارفور لكي يستعيد هذا البلد العربي العظيم - الذي يشكل نصف قارّة، بموارد عظيمة على رأسها البترول- عافيته نهائيا.
نكتب مصفقين لـ"وثيقة القاهرة" التي وقعت أول من أمس، من نائب الرئيس السوداني عثمان طه، ورئيس التجمع الوطني الديمقراطي محمد الميرغني، بحضور الرئيس المصري مبارك، والرئيس السوداني البشير، وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق. ويسجل لمصر رعايتها الحثيثة لمشروع المصالحة هذه.
بعد نيروبي والقاهرة، حيث أنجزت الاتفاقات النهائية للمصالحة في الجنوب والشمال، تتجه الانظار الى أبوجا، حيث تدور المفاوضات برعاية إفريقية لحلّ الصراع في دارفور. ومن المؤكد انها ستأخذ دفعة قوّية الان من المصالحة على الجبهات الاخرى، وسينضم زعماء المعارضة لدعم المفاوضات، وقيادتها باتجاه واحد وحاسم نحو الحل.
صورة السودان الجديد، الموقعة من جميع الاطراف في الحكم والمعارضة، تقوم على الديمقراطية والتعددية السياسية، وحرية الاعلام والصحافة، والمواطنة الكاملة، واللامركزية في الحكم، والمشاركة السياسية عبر قانون انتخابات ديمقراطي. وكل ذلك سيضمنه دستور جديد، تشارك في صياغته كل الاطراف، وتشرف عليه حكومة انتقالية بمشاركة الجميع. وعلى نسب المشاركة هذه دار خلاف حتى اللحظة الاخيرة. فقد كانت الحكومة والمعارضة الجنوبية تقاسمتا أغلبية المقاعد وتركت للمعارضة الشمالية القليل، فأنقذ قرنق الموقف في اللحظات الاخيرة، بالتنازل عن جزء من حصته لحلفائه القدامى في المعارضة الشمالية.
تبقى قضية معارضة المنشقين عن الحكم من انصار الشيخ حسن الترابي، الموجود حتى الساعة في السجن. فقد كان ضحية نفس النظام (نظام الانقاذ الشمولي) الذي قاده هو، فكريا وسياسيا، ثم اختلف مع رفاقه، والاهم مع عساكره، فناله ما ناله. واستوعب الدرس؛ درس الديمقراطية التليد، بينما كانت أزمات خصومه في الحكم تدفعهم الى نفس النتيجة، أي استحالة الاستمرار بقوة القمع.
وقد كان لديهم من المرونة والفطنة ما افتقر اليه غيرهم (خذ العراق مثلا)، فتوجهوا نحو مصالحات وطنية ديمقراطية داخلية، قطعت الطريق على التدخلات الخارجية الشريرة، التي تقود البلاد الى التمزق والانقسام. وهكذا، سيستفيد الترابي نفسه من المصالحة ويلتقي معها؛ اذ تؤمّن الحرية والحقوق الديمقراطية للجميع. وطبيعة الاتفاق ستفضي حتما الى خروجه من السجن، ومشاركة المؤتمر الذي يقوده في العملية السياسية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  جميل النمري