الأردن من افقر دول العالم في حصة الفرد من الماء، ولذلك نحتاج الى سياسة رشيدة جدا في هذا المجال. ولا يمكن فرض استهلاك رشيد دون سياسة تمييزية، ترفع كلفة الزيادة في الاستهلاك.
لكن قرار الحكومة الاخير بالزيادة المقطوعة لكل شريحة، يذهب بالاتجاه المعاكس. فالذي يستهلك قطرة واحدة أو عشرين مترا مكعبا في الدورة يدفع دينارا واحدا، ومن يستهلك اكثر من 20 مترا مكعبا يدفع دينارين، ومن يستهلك أربعين أو آلاف الامتار يدفع ثلاثة دنانير! هذه جباية للمال فقط، وليس لها صلة بترشيد الاستهلاك!
المبلغ الذي ستحصله الدولة من هذه الزيادة (5 ملايين دينار أو أكثر قليلا) متواضع جدا قياسا بالهدر، الذي تقدّره الدراسات بنسبة 50% من الماء الذي يضخ في الشبكات.
وكانت وزارة المياه والري قد تعاقدت مع شركة فرنسية (ليما) لإدارة شبكة مياه العاصمة خلال 4 سنوات، مقابل 10 ملايين دينار، بهدف السيطرة على الهدر وتخفيضه الى 25%، وتحسين الخدمة والتحصيل. والتحصيل تحسّن فعلا، لكن الهدر انخفض بنسبة لا تذكر؛ وسوف يكون هدرا اضافيا للمال، من خلال تكليف الشركة -كما نسمع- لسنتين اضافيتين، تكلفان 5 ملايين دينار!
وقد احتاجت الحكومة الى سنوات، وارادة سياسية حاسمة، لفرض القيود على حفر الابار،  ووضع ساعات على المحفور منها للتحكم بالضخ الجائر، وإلزام من يضخ أكثر بدفع نسبة أعلى من المال. لكننا تابعنا باندهاش دعوة رئيس الحكومة إلى تحرير حفر الابار (يقال في المناطق الحدودية، لأن الجيران يضخّون أيضا!). وقدّ ردّت وزارة المياه بتقرير، تحذر فيه بقوّة من التساهل في هذا الامر. فالضخ الان يزيد بنسبة 100% عن المعدّل الضروري للحفاظ على التوازن في المياه الجوفية، المهددة بالاضمحلال والتملح.
وقد سجّلت الوزارة على الشركات الزراعية العاملة في الجنوب مئات الالوف، واحيانا ملايين الدنانير، أثمانا للضخ الزائد من آبارها، وأخذت قرارا من المحكمة بها، لكننا الان نسمع عن نيّة لتسوية على حساب حقوق الدولة، بدعوى ان تحصيل هذه المبالغ يقود تلك الشركات الى الافلاس، فهل حسبت مبيعات وأرباح هذه الشركات؟!
لكن كل هذه المبالغ هي "فراطة"، قياسا بما يمكن أن يهدر في أي تعامل ملتو او غير شفاف في مشروع مياه الديسي، الذي سيكلف ما ينوف على 500 مليون دينار.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري