في أوائل التسعينيات من القرن الفائت، بينما كان الباحثون(1) من شركة فايزر (Pfizer) يحاولون دراسة تأثير مادة كيميائية جديدة امتلكت الرقم UK-92,480 في أنابيب الاختبار من أجل التوصل إلى علاج جديد للذبحة الصدرية، اكتشف البعض منهم أثناء البحث خلف العوارض الجانبية لها أنها تسبب عسر هضم في بعض الحالات، بعض الألم في ظهر وأرجل بعض المرضى، لكن كانت هناك ملاحظة، لم تبد مهمة في البداية، تقول إن الاستمرار بجرعة 50 ملليجراما كل ثماني ساعات لمدة عشرة أيام تسبب أيضا في إحداث انتصاب ملحوظ للمرضى، كعرض جانبي.
تكن تلك المادة في الحقيقة إلا السيلدينافيل(2) (Sildenafil)، والتي لم تحرز تقدما ملحوظا في الغرض المطلوب منها، في البداية، مما وجه الباحثين إلى الانتباه لتلك الأعراض الجانبية الجديدة، هنا ألقى الجميع بالخطة السابقة التي حاولت أن تجد وظيفة جيدة للسيلدينافيل في حالات الذبحة الصدرية، وبدأ خط جديد تماما من الأبحاث يسأل إن كان من الممكن استخدام تلك المادة في علاج حالات الضعف الجنسي، ثم بعد نحو ست سنوات، أي قبل عشرين عاما بالضبط من اليوم، مارس/آذار 1998، يحصل الدواء الجديد على تصريح إدارة الغذاء والدواء "FDA"، ليصبح الـ "فياغرا" (Viagra)، الحل الأمثل لمشكلات الضعف الجنسي.
الآن دعنا نقفز إلى العام 2014، كانت تلك هي المرة الأولى التي تقرر فيها شركة فايزر استخدام السيدة الإنجليزية لاينت بيمونت(3) في للترويج لإعلانات الفياغرا. في البداية كان العميل المستهدف من حملات الترويج هم الرجال، في الأربعينيات من العمر، مع الترويج المباشر للحقيقة التي تقول إن هناك ما يقدر بـ 50% من الرجال يعانون من مشكلات ضعف الانتصاب (Erectile Dysfunction) بعد عمر الأربعين، لكن تلك النقلة الجديدة باستهداف النساء في موضوعات تتعلق بمشكلات خاصة بالرجال لم تكن قفزة ثورية كما يبدو، بل لها جذور غاية في العمق، إنها جذور الترويج للمنتج نفسه.
مع اللحظات الأولى لاكتشاف الفياغرا كانت المشكلة الواضحة التي واجهت فريق التسويق بالشركة هي كيفية بناء سوق لمنتج بتلك الطبيعة الخاصة، وكانت الفكرة الأساسية هي أن الترويج للفياغرا سيكون ضمن نطاق أنها "علاج لحالة طبية"، هذا بالطبع هو الشيء الوحيد القادر على ترويجها بين الأطبّاء كبداية، هذه الحالة هي "ضعف الانتصاب" (Erectile Dysfunction)، لكن تلك التسمية لم تكن شائعة في هذا الوقت، بل كان الشائع هو أنها حالة العنة (impotence)، وهنا تبدأ المعركة.
قد يبدو ذلك غريبا بعض الشيء، لأنك لو بحثت عن أي من الاصطلاحين اليوم على الويب، تأمل ويكيبيديا مثلا، فستجد أنهما يشيران إلى الشيء نفسه، لكن ذلك لم يكن هكذا حينما بدأت الشركة حملاتها، ولفهم ما نقصد هنا دعنا نقارن بين العنة وضعف الانتصاب، الأول هو عدم القدرة على تحقيق انتصاب، والثاني هو عدم القدرة على تحقيق انتصاب -لنركز قليلا على الكلمات القادمة- أو الحفاظ عليه، وكان هذا الاصطلاح قد استعمل بالفعل للمرة الأولى أواخر الثمانينيات من قِبَل دراسة(4) استقصائية لمركز ماساتشوستس لدراسة شيخوخة الذكور (Massachusetts Male Aging Study) تسأل فيها الخاضعين للاستقصاء عن قدراتهم الجنسية بطريقة مختلفة.
حيث كان التقييم يضم أن يؤشر الشخص على أي من الاختيارات التالية: (غير قادر تماما، قادر بعض الشيء، قادر بشكل متوسط، أو قادر تماما) كانت تلك الحالة من التدريج هي ما خلق هذا الاصطلاح الجديد (ضعف جنسي)، والذي أصبح اصطلاحا أكثر ضبابية يعني أنك مصاب بحالة مرضية ما إن كنت فقط تؤشر في الاختبار على (قادر بشكل متوسط) التي تعني أن هناك انتصابا بالفعل لكن الشخص غير قادر على الحفاظ عليه، أو غير قادر أن يؤدي بشكل جيد في "كل" المرّات، أو غير راض عن بعض المرّات، بينما كانت الحالة المرضية الوحيدة هي (غير قادر تماما).
المراجع
aljazeera.net
التصانيف
صحة العلوم التطبيقية العلوم الاجتماعية