في إسرائيل لا توجد أحزاب دينية فحسب وإنما توجد أحزاب دينية متطرفة سماتها التعصب والتشدد والتصلب في المواقف بل وفي الفلسفة والرؤى السياسية والاجتماعية ، هذه الأحزاب هي الطرف القوي في الحكومات الصهيونية ، بمعنى أن السياسة الإسرائيلية تصنعها بكل دستورية وبقبول دولي الأصولية اليهودية الأكثر تطرفا، والنظام الذي سمح بهذه الظاهرة في الدولة العبرية هو الديمقراطية الغربية المتبعة هناك.. أما في الدول العربية والإسلامية التي انتهت فجأة إلى محاسن الديمقراطية فإن العمى السياسي أصبح سيد الموقف إذ تردد أغلبها أن الديمقراطية مكسب تاريخي يجب حمايته من الإسلاميين، وهكذا تكون العقيدة اليهودية قوة وطنية تصنع التلاقي والوحدة والنفوذ في حين يقسم الإسلام إلى قيم روحية "تمجد وتحترم" وإلى حركة اجتماعية يمارس عليها التضييق والمحاصرة بل وتكال لها أيشع الإتهامات
إن الخطورة تكمن في العلمانية ذات المكيالين التي يقننها النظام الدولي الجديد لبلدان الجنوب والإسلامية منها خاصة بحيث يسحب الإسلام من يد المعارضة و من يد المجتمع كله لكن ليس لتحييده كما في الغرب وإنما للاستئثار به واحتكاره من طرف السلطة والتصرف فيه وباسمه كمرجعية متلونة تصلح لكل تقلبات الأنظمة الحاكمة واختياراتها، فالنظام الحاكم يقر ضمنيا أن الإسلام ليس مجرد قيم روحية بل هو دين متكامل له بعده الحضاري الواضح وله وزنه الضخم في الصراعات داخليا وخارجيا، ومع إقراره فهو يسعى إلى أن يصب الثقل الديني للشعب وللمؤسسات في مجراه هو (أي مجرى النظام) فحسب، ويستمر في تغليف ذلك بدعاوي حماية الإسلام من التلاعبات، ولعل هذا ما يفسر الاهتمام المفاجئ الذي أبدته السلطة في كثير من الدول العربية للفتوى وبدأت في التحضير لإنشاء دور الإفتاء ومناصب المفتين ، والمبادرة في حد ذاتها خطوة طيبة ولكن من الغفلة بترها عن السياق الذي جاءت فيه لذلك يتم تعيين أعضاء دار الفتوى بدل انتخابهم من طرف أقرانهم لأنهم ببساطة مجرد موظفين حكوميين يجب عليهم إرضاء من عينهم حتى لو أغضبوا من خلقهم.
إن إبعاد الإسلام عن الحياة وتهميش الفكر الإسلامي الأصيل من شأنه أن يخلق حالات من الإحباط والعجز تعتري المجتمع وتفخخ الدولة كلها فقد تنجح السلطة في تفريغ الساحة من المنافس القوي بعض الوقت لكنها بذلك تمهد لعصر طويل من الانكسار والفوضى كرد فعل عنيف على قولبة الحياة السياسية والتلاعب بدين لا يعتبره أصحابه مجرد عبادات لكنه دستورهم وهويتهم وشخصيتهم وجنسيتهم
وتلخيص الإسلام في عامل من عوامل اللعبة السياسية موازاة مع الإساءة إلى رموزه والابتعاد عن هدية وتشجيع كل ما يخدش فكره وأخلاقه  مخطط علماني معروف ومطبق في فضاءات عربية معينة لا يمكن فيها تغييب صوت الإسلام جذريا  كما أن هدف الأنظمة المتسلطة من تقزيم الإسلام واحتوائه ليس التصدي لقيام الدولة الإسلامية كما يعتقد البعض – فذلك بعيد المنال في الوقت الحاضر -  بل هو الحيلولة دون قيام ديمقراطية حقيقية تجسد المشاركة الشعبية الفعلية في إدارة الشؤون العامة وتنتقل فيها البلاد من حكم الفرد والمجموعة والأسرة والطغمة إلى حكم الدستور و القانون لأن ذلك يهدد في النهاية هيمنة الشمال – الغرب كما كان يسمى – الذي يبشر العالم المتخلف – والبلاد الإسلامية أساسا – بالديمقراطية لكنها "ديمقراطية الجنوب" التي لا تعني التداول على السلطة ولا التمثيل الشعبي الحقيقي بقدر ما تعني توفير واجهة تعددية تمارس خلفها كل فظائع الإستبداد... وتبقى الطريقة الوحيدة لمواجهة هذا المخطط وحفظ الإسلام في تبني المنهج الدعوي لصناعة الرأي العام بالالتفاف والاحتضان ونشر الوعي والمشاركة في أية مساحة متاحة من البناء المستقبلي وفي أي مجال كان، واستنكار المنهج الدموي وتبرئة الإسلام منه، والتحضير طويل المدى للجيل الذي يفقه التوازنات العالمية دون أن يذوب في الغير ويحمي ذاته دون أن يكون مصدر خوف أو تهديد للغير.
ويبقى الإسلام يصنع المعجزات إذا تمكنا من إحداث المناعة من الاستبداد وأصلنا لنشر الحريات الفردية والعامة وبينا زيف الإدعاء بأن الإسلام يهدد الاستقرار السياسي والتنمية الشاملة وأقنعنا الرأي العام أن التهديد يأتي من الأنظمة الشمولية والحكم الفردي

المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع