هل يمكن الحديث عن عولمة عادلة؟! أم ان المصطلحين لا يلتقيان اساسا، على اعتبار ان العولمة تعني سوقا دولية مفتوحة، تحكمها معايير موحدة للجميع. ومثل اي سباق حرّ ومتاح للجميع بالتساوي وبالشروط نفسها، فيه رابحون وخاسرون، وعلى كل طرف، افرادا كانوا ام شركات ام دولا، ان يتكيف ويحسّن اداءه لتحسين المردود؟! وهذه هي مقدمات الازدهار الذي تعد به العولمة!
ليس هكذا تماما، وفق رؤية تطرحها "اللجنة الدولية حول البعد الاجتماعي للعولمة" التي نشأت في تشرين الثاني 2001، برئاسة مشتركة من رئيس دولة تنزانيا ورئيس دولة فنلندا، وعضوية 24 شخصيّة دولية من عالم الاعمال والعمل والسياسة والاكاديميا والمجتمع المدني، بصفتهم كفاءات وليسوا ممثلين لجهات. وليست صدفة هذه الرئاسة المشتركة لدولة من العالم الثالث الاكثر معاناة، ودولة من العالم المتقدم الاكثر رفاها ولكن الخالية من تاريخ الهيمنة او الطموحات الامبراطورية.
أشرفت اللجنة على حوارات إقليمية ودولية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، وانتجت تقريرا نشر في شباط 2004 اصبح بدوره موضوع حوارات دولية واقليمية، من بينها اللقاء الاقليمي العربي بمشاركة وزراء عمل وفعاليات نقابية وخبراء، والذي بدأ اعماله أمس في عمان، برعاية المكتب الاقليمي لمنظمة العمل الدولية في بيروت الذي يترأسه وزير اعلامنا السابق د. طالب الرفاعي.
مفهوم العدالة الذي يسود في حقبة ما بعد انهيار الاشتراكية وأزمة دولة الرفاه الاجتماعية الديمقراطية هو مساواة الفرص وليس النتائج، وهذا المسار بدأ بتصفية القطاع العام وتقليص مسؤوليات الدولة وانظمة الحماية الاجتماعية والعقود الجماعية. وعلى المستوى الدولي، توسع دور صندوق النقد في وضع برامج التصحيح الاقتصادي والتثبيت والتحول للدول (المدينة غالبا)، وهي في الواقع وصفة واحدة معروفة، الى جانب الالتزام بشروط الانضمام الى الهيئات الدولية وقوانينها وانظمتها، مثل قوانين التجارة وحماية الملكية الفكرية... الخ. وجاءت ثورة تكنولوجيا الاتصالات، التي ربطت الكون بشبكة معلوماتية واحدة، لتعمّد المسار الصاعد باسم "العولمة" التي أُشبعت تحليلا وتفسيرا وبحثا.. وشتائم ايضا، لكن في النهاية الاقرار بكونها واقعا يجب التعامل معه، وتعظيم فوائده وتقليل مضارّه. لكن كيف؟!
هذا هو السؤال الذي يحاول التقرير والحوارات الدائرة الاجابة عنه، انطلاقا من تثبيت حقيقة ان للعولمة سلبيات ولها ضحايا، كما عكست ذلك العديد من اوراق العمل.
الاساس، ان الفرص الموضوعة بالتساوي للجميع ليست متساوية في الواقع، وهي تشبه اطلاق حصانين للسباق من خط واحد، لكنّ احدهما ضعيف وغير مدرّب والآخر قوي ومدرّب جيدا، وفق المثل الذي ضربه د. ممدوح العبادي. وعندما يتم رفع شعار "من أجل عولمة عادلة"، فثمّة اجراءات يجب اتخاذها، ومسارات يجب ولوجها لمعالجة السلبيات، قد تعيد الامور الى اساس طمسته التنظيرات، نعني اختلاف المصالح. ولذلك، ظهرت في الحوار آراء تتحدث عن تقوية الدول وتقوية المنظمات الاقليمية، لأن القرار تحدده ايضا موازين القوى. لكن تقويتها بالاصلاح الديمقراطي، وليس بالعودة الى النمط السلطوي والابوي القديم.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري