تبدأ كاري هيوز-وكيلة وزارة الخارجية للديبلوماسية العامة، ومندوبة الرئيس الاميركي الذي عملت معه طويلا في اعداد خطبه ورسائله- جولة في المنطقة في اطار الحملة لتحسين صورة اميركا. السيدة كارين وضعت يديها الى الامام سلفا، قائلة انها جولة استماع لإظهار الاحترام والاهتمام، والمهمة هي تحد طويل الأمد لا يمكن توقع نتائج سريعة لها. المهم انني، وبهذه المناسبة، تلقيت سؤالا من مندوبة احدى وكالات الانباء حول فرص نجاح مهمّة كارين, فقلت: سأجيبك، مع الأسف، بشيء تسمعينه للمرة الألف ومللنا نحن من قوله؛ ان تحسين صورة اميركا لا تقررها حملة علاقات عامّة، بل سياسة اميركا. واستدركت بالقول: انه من المفهوم ان سياسة دولة عظمى لا تتقرر انصياعا للرأي العام هنا او هناك، لكن مصالح اميركا نفسها تنسجم مع سياسة أكثر توازنا، وهذا في نفس الوقت يحسّن صورة اميركا.
لكن ما أريد اضافته هنا، للحقيقة والعدل، ان صورتنا نحن امام الغير ليست احسن كثيرا مع الاسف، ونحاول حلّها بالعلاقات العامة والتضليل والادّعاء، بدلا من اصلاح حقيقي لأحوالنا. فالأنظمة مثلا، تحاول ان تبيع للخارج صورة طيبة عن الديمقراطية وسيادة المواطن في بلداننا، بينما هي في الحقيقة تتباخل في تقديم أي تنازل جدّي للديمقراطية ولسلطة المواطن.
------------------------------------
يغضب المرء ويتألم لمشهد الدماء والأشلاء والضحايا كل مرّة، كما لو انه يحدث لأول مرّة! وهناك سبب اضافي للأسى، حين يبدو الموت مجّانيا. ومعظم الصور المأساوية في الأزمنة الاخيرة تبدو مجّانية بلا معنى او جدوى؛ عشرات الجثث الممزقة لبؤساء لا يقررون شيئا في الصراع، بل هم مجرد ضحاياه في حياتهم ومماتهم. هذا هو المشهد على الجبهة العراقية. أمّا على الجبهة الفلسطينية، فإن ضحايا اي تصعيد جديد في قطاع غزّة بعد الانسحاب هو من نوع الموت المجاني، فليس هناك تغيير يمكن احداثه عسكريا، وقد اصبحت اسرائيل في موقع تتعامل فيه مع قطاع غزّة كبلد مجاور، تردّ على كل طلقة مسدس تصدر منه بعشرات الغارات الصاروخية على تجمعات هي الاعلى كثافة سكّانية في العالم! هي لا تحتاج ابدا لإعادة اجتياح القطاع.
ومهما كانت حقيقة الانفجار اثناء تظاهرة حماس، فليس هناك مصلحة فلسطينية في اي تصعيد عسكري، فقد ردّت اسرائيل على صواريخ القسّام التي لم تقتل احدا بقصف اوقع المزيد من الشهداء فوق من سقطوا بالانفجار. اية مواجهة هذه بين القصف بـ"القسّام" والقصف بالدبابات والمدفعية وطائرات "إف 16"؟! قد يتدخل العالم ويوقف هذه المعركة غير المتكافئة اطلاقا، لكن تكون قد حدثت مذبحة جديدة، للآباء والامهات والأطفال الفلسطينيين، دون جدوى. يجب ان لا يكون الدم الفلسطيني رخيصا هكذا. لا أحد يطلب او يريد تضحيات مجانية، حتّى حين تكون المسؤولية الاولى اسرائيلية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جميل النمري