علينا الاعتراف اننا نعيش في زمن انقلاب قيمي على كافة الصعد، وأن كل مال تراه امامك عليك أن تصدق انه الصحيح بالكامل دون زيادة أو نقصان، وأنك إن حاولت أن تبدو متفذلكا في محاولة اعادة الأمور الى نصابها، فإن كل الشتائم والموبقات ستلاحقك حتى وان تم مواراتك باللحد.

نعم انه زمن انقلاب المعايير والأذواق في الفن والمجتمع والسياسة وحتى الثورات.

ففي الفن عليك أن تصدق ان هذه الثرثرة التي يطلقها مطرب من حنجرته الديكية وربما البقرية هي الفن في أحدث أشكاله، وأن هذا اللحن الذي يعتمد على النطنطة والزعيق وحتى القفز بالهواء، هو الفن الراقي.

وعلى صعيد المسرح الحداثي عليك أن تصدق أن كل هذه الارتجالات الحوارية التائهة في فضاء المسرح، وأن كل هذه الحركات التي أقل ما يقال عنها انها حركة صعلوكية بامتياز هي آخر ما وصلت اليه احدثيات ما بعد الحداثة في المسرح.

وعلى صعيد الكتابات الأدبية والشعرية عليك أن تصدق أن كل هذه الترهات الحبرية التي تقرأها هي قفزات ابداعية حقيقية في فن النطق الابداعي، لا يحق لأي كائن من كان الاعتراض عليها، أو محاولة تصويب طريقها.

وفي الفن التشكيلي عليك أن تصدق أن هذه البقع اللونية التي لطخ بها الفنان قماشة اللوحة هي ضربات مدروسة، وإن حاولت أن تسأل عن سر عدم الاتساق والتناسق في الألوان، فإنك ستتهم بالأمية البصرية

وعلى صعيد الفكر السياسي السائد، عليك أن تصدق بأنه يمكن للدول العربية التي مازال معظمها على صعيد الأعراف والتقاليد يعيش في جاهلية محكمة، يمكن له استيراد الديمقراطية الغربية، تماماً مثلما يتم استيراد السلع والبضائع عبر البحور والقارات، وانه يمكن «تقييف» هذه الديمقراطية بما يتناسب مع اخلاقنا واعرافنا.

علينا وقبل أن نقع في حمامات الدم وخراب البيت العربي أن نفكر ملياً، اننا نعيش في زمن الانقلاب القيمي في كل شيء، واننا لا يمكن ان نصبح بمستوى التغير الحقيقي قبل ان نقوم بحالة انقلاب على حجم الغباء الذي يغلف أشكالنا وأرواحنا.

ولله من وراء القصد.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور