بقدر ما اختلفنا مع خطّ حماس في أوقات سابقة بقدر ما نقف معها الان.
حماس تسير بشكل جيد، ولا ترتكب أخطاء، وتترك لخصوم الشعب الفلسطيني أن يتخبّطوا في مواقف متناقضة ومعيبة. وقد رأينا الرئيس عبّاس يدافع أمس بكل حرارة عن حماس ويقف معها ويشهد لها ويرفض ما تتعرض له من ضغوط ويعيد التذكير أنها هي التي تحترم الهدنة بينما الإسرائيليون يخرقونها كل يوم ويواصلون جرائمهم.
الحقيقة إن الرئيس عبّاس انتزع إعجابنا بهذه الاستقامة والنزاهة الوطنيّة وهي شهادة له بأثر رجعي. فحين كان أيام الرئيس عرفات يتهم بسبب اعتداله كرجل الأميركيين والاسرائيليين كان في الواقع يمارس قناعاته الصافية بما يراه مصلحة الشعب الفلسطيني من دون مراوغة أو مزايدة، وعمل بإخلاص من أجل انتخابات فلسطينية نزيهة، وفي موعدها، انطلاقا من قناعته وولائه لقضية الديمقراطية بوصفها خيرا وقوّة للشعب الفلسطيني، وها هو بعد أن أعطت صناديق الاقتراع الأكثرية لحماس يدافع عنها ويعمل من أجل ضمان استمرار تدفق الدعم والتمويل الدولي.
والقناعات السياسية الأساسية هي التي تحرك عباس من دون أي ولع بالسلطة، ولم يخرج عن أسلوبه المعروف حين أعلن نيته الاستقالة إذا عجز عن دفع عملية السلام؛ فقابل رئيس الوزراء المكلف إسماعيل هنيّة ذلك بالتأكيد على أن حركته ستسعى لإنجاح مهمة ابومازن ليبقى في منصبه وإنجاح مهمته كرئيس يحظى باحترام الشعب الفلسطيني، وأن التباين السياسي يعالج على أساس الثقة والتعاون الوثيق مع الرئيس. وهنية يبرز بسرعة كرجل جدير بموقعه يحظى بالتقدير وقد يشكل مع عباس ثنائيا محترما يجنب الشعب الفلسطيني صراعا سيئا بين الرئاستين، وكل تصريحاته الحريصة والمتوازنة والمدروسة تعزز رصيده الايجابي في نفس الوقت الذي تنزّل فيه من رصيد الموقف الأميركي الداعي لمقاطعة حكومة حماس ومحاصرتها. وقد كانت كوندوليزا رايس وكأنها خارج الزمان والمكان، بصورة مزرية، وهي تدعو - في مؤتمرات صحافية أثناء جولتها على عواصم المنطقة- الحكومات العربية إلى مقاطعة حماس ومنع التمويل عن السلطة! هذا بينما كل التصريحات في المنطقة تتوالى عن التحضير لتعويض السلطة الفلسطينية عن نقص الأموال. والآن ها هي أوروبا تعلن عن دفعة من 120 مليون يورو للسلطة.
أداء حماس جيد حتى الآن وقد تنجح في تشكيل حكومة وحدة وطنيّة إذا حصل اتفاق على الخط السياسي للحكومة، والتوترات التي حدثت حول المناصب في التشريعي تبقى ثانوية مع أننا نسجل على حماس أنها استولت على كل المناصب في قيادة التشريعي والأصح، كما هو سائد في البرلمانات، أن تترك منصب نائب الرئيس لكتلة الأقلية، وحماس بحاجة لتوجيه رسائل تعكس روح الشراكة إضافة إلى رسائل الاعتدال والمسؤولية السياسية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جميل النمري