بأسلوبه المعهود، مدّ المرحوم الرئيس ياسر عرفات يده إلى جيبه يريد إن يري المرحوم جلالة الملك الحسين انه يحمل معه مشروع الكونفيدرالية، فطلب منه أن يحتفظ به في جيبه! وروى الملك الحادثة للصحافيين. ومنذ ذلك الحين لم يعد موضوع الكونفيدرالية مرغوبا في فتحه أردنيا، بل تطورت نظرية تقول بعدم جواز فتح ملف العلاقات المستقبلية اطلاقا قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، لأن أي علاقة قبل قيام دولة فلسطينية مستقلّة وقابلة للحياة يقود إلى الوطن البديل.
المطروح الآن هو الحلّ الإسرائيلي المنفرد، أو كما يسمّى الانسحاب أحادي الجانب، الذي سيرسم الحدود "الضمنية" لإسرائيل، ولو من دون اتفاق سلام ومن دون دولة مستقلّة. الفلسطينيون والعرب لن يعترفوا بالتأكيد بالواقع الموجود، لكنه قد يستمر إلى أمد غير معلوم، فماذا يفكّر الأردن إزاء حالة واقعية طويلة الأمد كهذه، وهو الذي رهن الكثير من الملفات بانتظار الحلّ النهائي، وقيام الدولة المستقلّة؟
الصديق د. حسن البراري، وكباحث متخصص، قرر فتح الملف مبدئيا، ولو من باب التفكير بصوت عال، لكنه -كما فهمنا من مقالة لاحقة- حصل على ردود فعل منزعجة وعدوانية، وهذا خطأ؛ فمقالة البراري شرعية تماما، ولا تحمل أي أجندة خاصّة، ومهمّة الباحث أن يسبق الساسة في فتح الملفات، واستشراف المستقبل، ومناقشة السيناريوهات، وكل ذلك يمهد لرسم تصور سياسي يترجم في سياسة محددة؛ والعلاقة بين ضفتي النهر تعيد طرح نفسها كلما دخلنا منعطفا نوعيا جديدا.
عدم فتح الموضوع لا يبعد المخاطر، ويجب أن تخضع التطورات الجديدة والمخاوف القديمة باستمرار للفحص وإعادة التقييم. وبالمناسبة، أود الإشارة إلى واحدة من المخاوف التي لا يتم التطرق إليها في العادة، وهي: كيف يمكن، مثلا، لأصحاب القرار عندنا أن يفكروا في دولة مشتركة فيها "حماس" و"فتح"، وليس فيها حزب وطني أردني واحد معتبر؟! لا نعرف إذا ما كانت "فتح" قادرة على استعادة نفوذها هنا، لكن "حماس" لديها الامتداد الاخواني الأردني، وخلا ذلك تعاني الساحة من فراغ يصنع اختلالا خطيرا لا يمكن تجاهله في أي تفكير وحدوي للمستقبل.
ولكن لا يجوز لمحدد كهذا أن يتحكم في القرار الوطني، وهو ما يجعل التنمية السياسية ضرورة استراتيجية؛ إذ يجب بناء مؤسسيّة سياسية وطنيّة تملأ الفراغ بصورة صحيحة، وتجعل الأردن أكثر ثقة واستعدادا لبحث سيناريوهات المستقبل من موقع واثق، بدل الانكفاء الذي لا يقوم على تقدير المصلحة الوطنية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري