تمر من خلال مشاويرك الاعتيادية في الاسواق وعبر ازدحام المحال التجارية، وفجأة يبدو المحل المغلق بواجهته المعدنية كالصفعة، وقد وضعت «كرتونة» كتب عليه بخط مُرتبك «المحل مغلق بسبب وفاة صاحب المحل، الذي وافته المنية يوم أمس وسيشيع جثمانه من مسجد»...» الى مقبرة «...» وتقبل التعازي في بيته الكائن في»...».
تنشط ذاكرتك قليلاً وتحاول أن تتذكر صاحب المحل، الذي كان يجلس خلف طاولته الصغيرة، بينما ملامحه تطفح ببشارة الرزق، تاركاً الابناء يتحركون بين الزبائن كلعب معدنية معبأة. وتتذكر أيضاً أن الرجل ومنذ شهور لم يعد يجلس تلك الجلسة الواثقة من الرزق، فتفكر متشككاً ان الرجل ربما تعرض الى وعكة صحية، أقعدته في البيت.
تمر أيام وتعاود المرور من جانب الدكان فترى أكبر الأبناء وقد جلس مكان والده، وحينما يسوقك فضولك للدخول الى وسط الدكان ترى وبالضبط فوق رأس الابن البكر صورة للرجل المؤسس لهذه الدكان، كان قد تم تكبيرها على عجل، وهي على الأغلب باللونين الأسود والأبيض، حيث يبدو الرجل فيها يافعاً وشاباً، يجعلك تفكر في ذاكرة غامضة، لكنها لا تخلو أيضأً من احساس غامض بالفرح وبأيام لن تعود أبداً.
وتكتشف أن معظم الدكاكين والمحال التجارية العريقة في عمان تحمل على جدرانها صورة الأب المؤسس، وعلى الأغلب يكون قد غادر هذه الدنيا وصار من الراحلين.
وهناك في جغرافية عمان سوف تجد المطاعم العريقة، ومحلات بيع الحلويات ومحلات بيع الأقمشة، وعلى كل جدار فيها سوف تجد صورة الأب.
وبالنسبة لي فقد اعتدت ان لا التزم بحلاق واحد أتردد عليه كلما أردت أن أقص شعري، ربما بسبب العلاقة الطارئة والعاجلة التي يريد ان يطالبني فيها الحلاق، خلال مدة زمنية لا تتجاوز النصف ساعة
|
وقبل شهر دخلت على صالون وحينما جلست على مقعد الحلاقة، كانت بمواجهتي صورة لرجل كهل بالعقال والعباءة، وحينما سألت عمن يكون هذا الرجل؟؟ قال لي الشاب:»هذا جدي من أوائل الحلاقين في عمان، وكان محله يجاور سوق السكر، وقد كان زبائنه من علية القوم». ولفت انتباهى موسى للحلاقة تم وضعه بعناية بجانب صورة الجد، فقال لي الشاب» وهذا هو موس الحلاقة الخاص به».
أنهيت حلاقتي وتلفت لأرى جموعاً من المعزين يدخلون الى صالون الحلاقة كي يقدموا العزاء للشابين بوفاة والدهما.
وفي زحمة هذا العزاء «الصالوني» كان شاب صغير يحمل شكوشاً ومسماراً وصورة الأب وهو يبحث عن مكان يضع فيه تلك الصورة | | .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور
|