في زمن الحرب الحاقدة لا يستثني العدوان الإسرائيلي شيئا، وتسقط كل المحرمات، وتُداس كل الوصايا والمواثيق، يتجاوز عدد الشهداء الألف... نصفهم من الأطفال، والنصف الآخر يتوزع في الغالب على النساء والمسنين والمدنيين العزّل، ويتجاوز عدد الجرحى أربعة آلاف، والوجع الكبير ما زال جرحا مفتوحا على الأفق، على مسمع ومشهد من العالم أجمع.
  لكن المشاهد المؤلمة تمثّلت في أولئك اللاجئين الهاربين من الموت إلى الموت، أولئك الذين دُمرت بيوتهم، فلجأوا إلى مؤسسات الأونروا (وكالة الغوث الدولية) بعلم مسئوليها، الذين أعطوا إحداثيات تلك المؤسسات للمعتدين من أجل تجنب الاعتداء عليها، لكنهم انتهكوها المرة تلو الأخرى، وقتلوا في حمى هيئة الأمم المزيد من الضحايا... بل تواصل العدوان، ليصل إلى حدّ قصف المبنى الرئيس لوكالة الغوث الدولية، وتدميره بالكامل.
  لا أدري هل صنعت مقاعد الأطفال الدراسية قنابل موقوتة؟ أم أن أكياس الدقيق ومعونات الدواء أصبحت تشكّل مخازن متفجرات؟ من المؤلم جدا أن نستمد براءة مباني الجامعة الإسلامية من براءة مباني وكالة الغوث الدولية، لأن براءة أطفال فلسطين الشهداء والجرحى لا تُعدّ مستندا موثوقا لدى المعتدين والساكتين عن العدوان!
  ولا أدري إن كان هناك ما هو أسوأ من بشاعة الجريمة ذاتها، لكن الأسوأ والأبشع في اعتقادي هو الادعاء الكاذب، والمبررات النمطية الهشّة التي تستند إليها دولة العدوان.
  لقد تناقلت وسائل الإعلام اجتهاد المعتدين في جمع مبررات العدوان من الآن خشية من رفع دعاوى قضائية من المعتدَى عليهم، وعلى الرغم من عزيمتنا الصلبة بإذن الله وهمتنا في إزالة آثار العدوان وإعادة الإعمار والبناء؛ فإننا ملزمون كمؤسسة أهلية مدنية بإعداد دعوى قضائية، تبين الحق، وتحاسب المعتدين، وتكشف الوجه الحقيقي غير الإنساني لهم، وتستعيد ما يمكن من العدل المفقود. وليس ذلك من ترف القول، ولا من منطلقٍ بعيدٍ عن الإحساس بمآسٍ كثيرة حدثت بيننا، وأدمت قلوبنا، لكن هذه الدعاوى القضائية لا بد أن تتواتر من الأفراد المذبوحين، والهيئات المنكوبة، والمؤسسات ذات العلاقة... وإن التفريط بهذه الحقوق، والتهاون بأهمية متابعتها من كافة الجوانب؛ مدعاة إلى استمراء انتهاكها مرات أخرى -لا سمح الله-
  ينبغي أن نعدّ لهذه الدعوى الآن، وأن يتم جمع كل المستندات والأدلة على حجم العدوان وبشاعة جريمته، سواء من خلال شهادات الدارسين أو الزائرين أو الخبراء، ومن خلال المختصين بالقانون الدولي.
  ولا بد أن يوازي هذه الجهود كشف تلك الحقائق أمام هيئات متعددة محليا وعربيا وعالميا وصلتها صورة مشوهة ومبتورة من أجل تصحيح الصورة واعتدال الميزان...، وفي هذه المناسبة أشكر الجهود التي بذلها الأخوة في (اتحاد نقابات العاملين في الجامعات الفلسطينية)، التي اتجهت منذ لحظات العدوان الأولى إلى استنكار جريمة العدوان وتعميم ذلك باللغتين العربية والإنجليزية على كافة الجهات المعنية،
كما أشكر بيان اتحاد نقابات العاملين في الجامعات الكندية (Statement from the Canadian Association of University Teachers )، الذي أشار إلى العدوان الإسرائيلي على الجامعة الإسلامية بغزة، وعدم إبرازه -أي العدوان- حتى اللحظة أي دليل على صدق دعواه.
كما أقدّر اثنين من الباحثين الإسرائيليين الشجعان اللذين كتبا مقالا يحمل رسالة موجهة علي موقع مجلة "سجل التعليم العالي" الصادرة بواشنطن بعنوان: "أين غيرة الأكاديميين وشجاعتهم في مواجهة قصف الجامعة الإسلامية بغزة؟" وأضافا: "أين أنتم أيها المنافقون الآن؟ لماذا سكتم وسكت معكم ألف أستاذ جامعي في مختلف أنحاء العالم، ممن وقفوا ضد قرار الجامعات البريطانية في الوقت الذي قصفت فيه الجامعة الإسلامية بغزة ست مرات؛ وانتقدا وسائل الإعلام التي لم تسلط الضوء علي تلك الجريمة البشعة...، ودحض الرجلان مزاعم "إسرائيل" التي ادعت أن الجامعة تستخدم معاملها في تحضير المتفجرات، وقالا إنه حتى إذا صحّ ذلك فإن جامعات أمريكا و"إسرائيل" أيضاً تعمل لصالح المجهود الحربي وتطوير التطبيقات العسكرية ويتم تمويلها من البنتاجون والشركات الحربية ووزارة الدفاع.
وأشكر المفكر العربي فهمي هويدي الذي تحدث بجرأة في موضوع العدوان على الجامعة الإسلامية، وبيّن رسالة الباحثين الإسرائيليين السابقين بشكل مفصّل، كما أشار بأصابع الاتهام إلى الأكاديميين العرب الذين صمت أغلبهم تجاه جريمة العدوان على الجامعة الإسلامية بغزة.
وأشكر الدكتور أكرم حبيب وكل الأخوة العاملين في الجامعة الإسلامية الذين بادروا إلى الدفاع عن جامعتهم عبر وسائل الإعلام المتعددة عربيةً كانت أو أجنبية.
وأدعو الجميع إلى المساهمة الفعالة في نقل الصورة الحقيقية البشعة لذلك العدوان وتداعياته على مصير آلاف الطلبة والطالبات... ولا حول ولا قوة إلا بالله.

المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع