ذلٌّ وأيّ ذلّ أن تتحكّم النساء بالرجال.. هذا إن كانوا رجالاً من الأساس! فللرجولة معايير فقدناها منذ زمن في ثلةٍ ما سجدت إلا للسلطة والكراسي!
بعد مخاضٍ عسير دام ثلاثة أسابيع منذ وقوع محرقة غزة اكتمل النصاب وعُقِدَت القِمّة في الدوحة وخرجت ببيانٍ تلاه صاحبنا والأعين مسمّرة على التلفاز والآذان تنتظر أن تتشنّف بسماع بندٍ يطفئ اللهيب في الصدور فإذ به توصيات لعرضها "للتباحث" في قِمّة الكويت المُزمَع عقدها لاحقاً.. أرادوها كذلك حتى لا تستأثر قطر بفخرٍ تحسدها عليه السعودية ومصر اللتان قاطعتا القِمّة وضغطتا على بعضٍ آخرين تجمعهم المصالح البحتة فحاولوا تعطيل القِمّة ولكنهم أخفقوا..
ومحمود عباس غاب.. بعذرٍ أقبح من ذنب إذ زعم على لسان مستشاره نمر حماد أن مقاطعته للقِمّة كان "رغبة من القيادة الفلسطينية في ألا تتحول غزة أو القضية الفلسطينية إلى سبب في تعميق الانقسام العربي أو الانقسام الفلسطيني" ويكأنّه لا يعرف القاصي والداني أن العرب منقسمون والفلسطينيين منقسمون والأمّة مهزومة بسبب هذا التنازع! فهي ترفل بين خيانةٍ واعتدالٍ وممانعةٍ مزعومة وبين مقاومةٍ شريفة مباركة!.. والمضحك المُبكي تصريح رئيس وزراء قطر أن عباس أخبره بعدم استطاعته القدوم لأنه مضغوط وحضوره بمثابة "الذبح من الوريد إلى الوريد"!!
كل هذا وعداد الشهداء والجرحى في ارتفاع ولا مِن عاصم إلا الله جل وعلا!
ولكن أبشري يا غزة.. فقد هيّئوا لكِ صندوقاً وسيجمع الأعراب لكِ الأموال ليُعيدوا إعمار ما تهدّم فيك.. وسيستطيعون ذلك لأن خزائنهم ملآنة ولكن ما الذي سيُعيد إعمار ما تهدّم من هيبتهم وعزّهم وكرامتهم.. وبأي غطاء صفيق يُخفون ذلّهم وتواطؤهم عليكِ وخذلانهم لكِ؟! لقد أخفقوا من جديد يا غزة.. ولم نسمع إلا صواريخ الخطب النارية التي تدغدغ القلوب ولكننا لم نر أفعالاً حقيقيّة مزعزِعة! فأين التوافق على قطع العلاقات بالكيان وإيقاف التطبيع وأين قطع إمدادات الخليج لهم بالنفط وأين احتواء المقاومة في غزة ولا أقول حماس! وأين وأين؟!! لم يتحقق الحد الأدنى من القِمة وكل ما حصل أنّ عوامل التعرية نجحت في إسقاط آخر أوراق التوت التي أخفت سوءات العملاء أو الضعفاء!
وكم أتمنى أن يأتي اليوم الذي تجتمع فيه الأمّة العربية والإسلامية لمناقشة السبل في تحرير فلسطين وإرساء قواعد الهجوم على كل معتدي وإعلاء راية الجهاد في سبيل الله.. حُلُم!!
.........
وفي نفس اللحظات التي كانت تُعقَد فيها القِمّة التي ترتعد فرائص "اسرائيل" حين تسمع بانعقادها وتخاف من مخلّفاتها المدمِّرة على كيانها الغاصب وشعبها الذي استباح الأرض فأصبحت أرضه! وطرق المقاومة لإعادة هذه الأرض أصبحت بالعرف الدولي إرهاباً! طلّت علينا من واشنطن امرأتان في زمن الأشباه تحدِّدان مسار العالم! ولا عجب أن النساء ترجلت ولكن تأنيث الرجال عجيب!..
تسيبي ليفني – الإبنة الوفية لآرييل شارون – وكوندوليزا رايس – مستشارة "الأمن" القومي – تلتقيان للقضاء على "الإرهاب"!
وفي مؤتمرهما الصحفي تتبادلان التحايا والودّ وتثنيان على وحدة القِيَم بينهما ونجاحهما في التعاون في المرحلة السابقة.. ثم توقِّعان على مذكرة تفاهم لمنع تهريب الأسلحة إلى غزة.. فحماس على زعم ليفني ارهابية ويجب التأكد من عدم السماح لها الحصول على الأسلحة لكي لا تعتدي على أمن "اسرائيل" – فلسطين المغتصبة!!-  أما ما تفعله "اسرائيل" في غزة الآن وما فعلته "أميركا" في العراق وأفغانستان فهذا ليس بإرهاب وإنما هو حماية الديمقراطية والأمن والعالم!
والله إن الدماء تكاد تتجمّد في العروق حين تمعن في التفكير فيما يجري في هذا العالم المنقلبة موازينه بشكل فاضح!
ليفني ورايس تقرران وتُمليان قراراتهما على حكّامنا لينفِّذوا.. فهم لم يعتادوا أن يقولوا لا إلا في التشهدِ.. أوَتُراهم يتشهدون أصلاً؟! لربما يفعلون ولكن بصيغة  مختلِفة: "لا إله إلا الكرسي"!!
والعالم يجتمع على ضلاله ونفاقه والأمّة العربية والإسلامية لا تجتمع على حقها! فأي مهزلة هذه؟!!
............
بوليفيا وفنزويلا تقطعان علاقاتهما بالكيان الغاصب.. وقطر وموريتانيا "تجمّدان" العلاقات معه.. والباقي ممّن يسمّون أنفسهم ظلماً وعدواناً على العروبة والإسلام "دولاً إسلامية وعربية" لم يجرأوا على قطع العلاقات ولا طرد السفير الإسرائيلي ولكنهم ندّدوا واستنكروا – مشكورين – قتل الأبرياء.. فلِم يصبّون جام غضبهم على الكيان الغاشم وحماس هي من أطلقت الصواريخ ابتداء؟ وشعب غزة هو من أراد المقاومة فليتحمل نتيجة خطئه الفادح في الوقوف بوجه أميركا والكيان الغاصب دمارا وموتا!!
ما الذي يحرّك شافيز وهو غير متوفّر في حكام العرب؟ فتشت فلم أجد إلا مفردات المفروض أنها موجودة في العرب وليست موجودة في شافيز والتي كان من الأحرى أن تجعلهم يهرولون لنصرة اخوانهم في الدين والعروبة واللغة والتاريخ والمصير!
تُرى إلى أي رقم يجب أن يصل عدّاد الشهداء والجرحى قبل أن يتحرك في الأنظمة العربية "بعضُ دم"؟! وهل ما تستفيده الأنظمة من الطاغية الكبرى أميركا يستحق كل هذا الخضوع؟! أم أن الخوف من أن تتكرر تجربة غزة في بلاد المسلمين أعمَت أبصار الحكام فزادوا من بطشهم وارتباطهم بمَن يعينهم على محاربة "الإرهابيين" وطمسهم حتى لا تقوم لهم قائمة! فقرروا تربيتهم بنموذجٍ ماثل أمامهم "حماس وغزة"!!
............
حسبنا الله ونِعم الوكيل..
لا أردِّدها تأثّراً بأمير قطر الذي قالها حين لم يكتمل النصاب لعقد قِمّة عربيّة فاحتَسَب! ولكنني أردِّد منذ بداية حرب الإبادة في غزة هذه الكلمة لأنني لا أجد ما يهدّئ من روعي غيرها..
لربما احتاج المسلمون لهزّةٍ كبيرة ليستيقظوا من سباتهم العميق.. ليُدرِكوا أنهم في حالٍ لا يُرضي الله جل وعلا فهو جل وعلا خلقهم لقيادة العالم وللإستخلاف في الأرض وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولإعلاء كلمته والجهاد في سبيله.. فوهنوا وركنوا إلى الدنيا وارتضوا بالقليل من حطامها وخضعوا لطواغيتٍ لا يحكّمون شرعه.. ولكن لم يعد مسموحاً بعدما حصل في غزة –  ويحصل – أن يستمر المسلمون على نفس وتيرة عيشهم الماضية.. لا يجب أن يكون وضع الأُمّة بعد محرقة غزة كما كان قبلها! فليبدأ كل واحدٍ منا بالتفتيش عن خطواتٍ تُعيده إلى الحياة.. حياة العزّة والحياة التي ارتضاها الله جل وعلا لنا لا الحياة التي أجبرونا عليها فاستسغناها بعد فترة من التعوّد.. فأصبح جلّ همّنا الحفاظ على لقمة العيش وتأمينها لأبنائنا ونسينا غاية خلقنا الأساسية في الوجود!
ولنبدأ بالتخلص من هذه السلبية والانهزامية في ذواتنا.. وشعورنا بالعجز والدونية..  مع ان الله عز وجل قال "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين" ليس لأميركا ولا للصهاينة ولا لأيّ كان لا يدين بدين الله ويؤمن به وينصره!
قال لي: "القليل من الذكاء! حماس لن تستطيع مواجهة دبابات وطائرات اسرائيل الآن! فلتجهز نفسها أولا هذا إن استطاعت!" فقلت له: ما البديل؟ هل تترك لهم الأرض بحجة أنها أقل منهم عتادا؟ ثم كيف تجهز نفسها وهي في حصار؟ والعرب قبل الغرب يحاربونها لأنها تذكرهم بخيبتهم وقلة شرفهم! وعقّبت: لو أنك مع اختك في الطريق بلا سلاح وهجم عليكم قطاع طرق يريدون اغتصاب أختك فهل تفكر بذكاء أنك لا تملك سلاحاً وتدعهم يفعلون ما يريدونه حتى تأتيهم بالسلاح من الجوار أم أنك تحاربهم ولو بأسنانك!!
وانظر قول الله جل وعلا "إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ* الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" فالإعداد والتهيئة النفسية والمادية والعلاقة الربانية هم الأساس للنصر!
 ...........
متى نعي أنه في هذا الزمن ومع استفحال وطأة الظلم والتقتيل والتشريد والتضييق على المسلمين من أعدائهم وحكامهم على حد سواء لم يعد ينفع إلا الثورة والعصيان المدني والجهاد!
متى نعي أنه ما ترك قومٌ الجهاد إلا ذُلّوا.. جهاد الطواغيت من الحكام والأنظمة وجهاد الكفرة والمغضوب عليهم..
الثمن غالٍ ولكن الدين والحرية والكرامة يستحقون أن ندفع ما غلا للحفاظ عليهم..
وأهل غزة وإن دفعوا الثمن آلاف الشهداء والجرحى ودمار البنيان فإنّهم سيُخلّدون في التاريخ لأنهم وقفوا – وحدهم – في وجه ترسانة الصهاينة ومَن والاهُم بقسّامٍ وبتّار وبندقية وحجر! ولم يرتضوا الدنيّة في دينهم.. وردّدوا بكل فخر.. فإمّا حياةٌ تسرّ الصديق وإمّا مماتٌ يغيظ العِدا.. وما وهنوا وما استكانوا فهذا نتاج العقيدة التي ربّى محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها.. وما الدين إلا عقيدةٌ وجهادُ؟!
وسيزيد الصهاينة في طغيانهم حتى يكرههم الحجر والشجر فينطقوا يوم المعركة الكبرى أن يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله.. والعبرة في الخواتيم يا من ارتكستم في أحضان الخيانة والعمالة والممانعة المزيّفة!

المراجع

saaid.net

التصانيف

أدب  مجتمع