خطاب التطرف الذي لا يجد حرجا في المجاهرة بالتعاطف مع الزرقاوي يراهن بالتأكيد على مشاعر الغضب والإحباط في أوساط الرأي العام إزاء ما ترتكبه اسرائيل من جرائم. لكنها في الواقع القصّة القديمة اياها بدءا من مذابح دير ياسين، فالمواجهة مع اسرائيل و"من همّ وراء اسرائيل" كانت أداة التعبئة للتيارات الأيدلوجية الشمولية المتعاقبة اليسارية والقومية والإسلامية، وهي الجسر الذي عبر عليه كل مشروع شمولي للهيمنة على المجتمع والوصول الى السلطة، لكن الذي حسم الصراع بيننا وبين اسرائيل أول مرّة هو نفسه ما كان يحسمه في كل مرّة لاحقة وهو ميزان القوى. والتخلف هو كلمة السرّ التي لم يعترف بها أحد ومن تجليات التخلف أيضا عدم الإقرار بالواقع، وبما ينبني عليه من استخلاصات، وهكذا علينا ان نعيد المأساة مرّة تلو المرّة ونسجل خسائر فادحة مادّية ونفسية تقودنا الى مهاوٍ وقيعان أكثر عمقا.
آخر ما حررّ على هذا الصعيد أن يصبح الأرهاب هو السبيل والتفجيرات الانتحارية هي الردّ، ليس فقط في فلسطين بل في كل مكان، وفي اتجاه يمثل ذروة الغلو في النكوص والتنكر لشروط الحضارة والتقدم ونشدان الخلاص بأيدلوجيا الموت والدمار.
خرجت هذه الانفلاتات القصوى وغير المسبوقة من صفوف التيارات الإسلامية. وداخل هذه التيارات كان يفترض لهذه الظاهرة المرعبة أن تحرك مراجعة عميقة وتاريخية فكرية وسياسية وبرامجية، وفي كل الأحوال الاضطلاع بمهمّة ومسؤولية التصدّي للفكر التكفيري والظلامي.
مع الأسف فإنّ التيار الإخواني في ساحتنا المحليّة تنكر لهذه المهمّة وكان أداؤه مخاتلا في كل ما يتصل بالارهاب وتيارات التطرف، وقضيّة التنوير الكبرى التي باتت تطرح نفسها على مجتمعاتنا ليست قضيتهم ولا يرون فيها مصلحتهم، بل على العكس فالخطاب الإخواني غالبا ما ساهم فقط في تضليل الجمهور وتوجيهه بنفس الأدوات التي كانت بالأصل وراء وهم الغلو السلفي المتطرف، وكان يأخذ مسافة معينة عن الإرهاب بالقول ان هذه الأساليب خاطئة ليبررها تاليا بالعدوان والمظالم التي تتعرض لها الأمّة! واذا سنحت الفرصة فتبرئة الفاعلين من العمليات البشعة وتحميلها لقوى التآمر الغربية والصهيونية.
ليس غريبا والحالة هذه ان نرى هذا السلوك في قضيّة الزرقاوي. النائب محمد ابو فارس ذهب شوطا بعيدا في تمجيد الزرقاوي وخلع عليه لقب الشهيد وانكره على ضحاياه في تفجيرات عمّان. وقد أحرج زملاءه في التنظيم الذين يقولون إن الزرقاوي ارتكب أفعالا لا يقرّونها، لكنه مجاهد معترف به ضدّ أعداء الأمّة، أي انه في المعسكر نفسه!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جميل النمري