عنوان هذا المقال هو التزام تجاه صديقنا د. ممدوح العبادي الذي بشّرني شامتا صباح أمس بقرار الرئيس علي عبدالله صالح ترشيح نفسه لولاية رئاسية جديدة، وتبعه الأصدقاء د. مهند مبيضين ثم موسى برهومة؛ فأغلقت هاتفي الخلوي حتى لا أتلقى المزيد من الشماتة.
في مقال أمس ناشدت الرئيس اليمني أن يتمسك بقراره عدم الترشح، كسابقة عظيمة من أجل مستقبل هذه الأمّة، وقلت إنني "أفترض أنه لا يتكتك". وأعرف أن الأكثرية لم تكن تراهن على جدّية الرئيس، لكن قول ذلك يمنع إضافة أي كلمة أخرى.
والدخول إلى تفاصيل المشهد اليمني الداخلي يضع موقف الرئيس في سياق أكثر تعقيدا، أكان بالنسبة لحقيقة ما يريد هو شخصيا أو ما يحيط بظروف المعركة الرئاسية هذه المرّة، لكن المراقب العربي معني بخلاصة الموقف. فقد كنّا امام رئيس دام في السلطة ما يقارب 28 عاما، وهو يقول الآن انه يريد التخلي عنها لكي يتحقق تداول ديمقراطي فعلي على الرئاسة، وليس لنا والحال هذه إلا أن نحييه، ونقول له اصمد على موقفك، وقدّم الموعظة والمثال لكل زعامات هذه الأمّة. مع الأسف خذلنا الرئيس، وهو يمكن أن يقول انه لم يستجب للمنافقين الذين تحدثنا عنهم أمس، بل لشعب اليمن وقواه التي خشيت من "الطوفان"، وفق تعبير احد السياسيين اليمنيين.
والسؤال الآن: هل كان وضع اليمن لا يتحمّل أن يقذف صالح بكرسي الرئاسة وسط معمعة ونزاع يضع البلاد على حافة المجهول؟! هناك شيء من الحقيقة في هذا لجهة عدم وضوح وريث قوي محتمل، ولذلك فضّلت المعارضة أن لا تأخذ موقفا مع أو ضدّ قرار الرئيس، بل طرحت مبدأ التفاهم الوطني على برنامج الإصلاح والتغيير، ولا بأس بعد هذا التفاهم من التجديد للرئيس. ولعلّ الرئيس عنى هؤلاء وغيرهم وهو يقول: لست تاكسيا يوصل القوى، ومنها حزبي، إلى الفندق. أي في الجوهر هو يريد وضع الرئاسة خارج المقايضة على الإصلاح، وخارج معركة الحزب الحاكم مع بقية القوى حول قضايا البلاد.
يمكن ببساطة الآن أن نفكر لماذا يصعب، بل يستحيل أن يوجد بديل للرئيس؛ فكما في الدول الأخرى، تتمركز السلطة الكاملة والحقيقية في الرئاسة حصريا، أي في شخص الرئيس، واختفاء الرئيس يعني حصول آخر على كامل السلطة، بنفس الصلاحيات الإمبراطورية التي تتيح للحاكم أن يفعل كل شيء، بما في ذلك توزيع السلطة على العائلة وتوريثها للأبناء! انه انتقال مستحيل سلميا! وإذا تخلّى الرئيس عن سلطة كهذه في لحظه صوفيّة من حياته، فمن يقبل طواعية أن يحصل آخر على سلطة كهذه. ليس مفتعلا، إذن، هذا الذهول وسط الحزب الحاكم وأنصاره، وليس غريبا أن المعارضة كانت تقبل التجديد لصالح مقابل إصلاح ينهي الرئاسة الإمبراطورية، ويجعل من المنصب شيئا قابلا للتداول!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري