اعتنى العثمانيون بالبيمارستانات التي أُسست في فلسطين في العهد المملوكي وزادوا أوقافها، والبيمارستانات هي مستشفيات عامة تعالج فيها الأمراض الباطنية والرمدية والعقلية وتمارس فيها العمليات الجراحية، يتم العلاج فيها عن طريق طاقم طبي متخصص?. ومن هذه البيمارستانات: بيمارستان الفاطمي في مدينة القدس، وبيمارستان الصلاحي في عكا، وبيمارستان المنصوري في الخليل، وبيمارستان غزة، وبيمارستان الرملة وبيمارستان نابلس، وبيمارستان تنكز في صفد.
أما المستشفيات "البيمارستانات" التي ظهرت في فلسطين في العهد العثماني فهي:
- المستشفى البلدي:
أُنشئ هذا المستشفى عام 1891م، في عهد السلطان عبد الحميد الثاني في بالقدس؛ حيث اشترى الحاج سليم أفندي الحسيني (رئيس بلدية القدس) قطعة أرض في حي الشيخ بدر، وبنى عليها مبنى من طابقين يضم 28 غرفة و40 سريراً؛ أمّا طاقم المستشفى فكان يتألّف من 7 ممرضات و5 ممرضين وإماماً يمثل إدارة البلدية ويقوم بوظيفة سكرتير المستشفى؛ وكان رئيس الأطباء يونانياً يُدعى "فوتيوس أفكليدس" يساعده الطبيب المقدسي كامل الحسيني.
زُود المستشفى بغرفة عمليات مجهزة وصيدلية تحتوي على جميع الأدوية المعروفة في ذلك الوقت؛ وفي زمن متصرف القدس (علي أكرم بك)، أُنشئت بناية صغيرة من ثلاث غرف، خُصصت للأمراض المعدية؛ وبعد الحرب العالمية الأولى حوّلت سلطات الانتداب البريطاني دار المستشفى إلى مقر لدائرة الصحة.
اتسم العهد العثماني في فلسطين بازدهار مستشفيات الإرساليات الأجنبية، وخصوصاً في المدينة المقدسة ومنها:
1- المستشفى الروسي:
يقع في المسكوبية وبناه الروس سنة 1859م لمن يفد بقصد الحج من أبناء روسيا، وبعد عام 1917 أصبح مستشفى للموظفين البريطانيين وغيرهم؛ لذا أُطلق عليه اسم "مستشفى الحكومة".
2- مستشفى الهوسبيس:
بناه النمساويون على درب الآلام عند مفترق الطرق المؤدية إلى باب العمود وحارة باب الواد في القدس.
وبُني أصلاً ليكون نُزُلاً لإمبراطور النمسا فرانسوا جوزيف عند زيارته للقدس، ولكنه لم يُستعمل كمستشفى إلا في أواخر فترة الانتداب البريطاني.
3- المستشفى الإنكليزي:
أسسته الأسقفية البروتستانتية في القدس لخدمة اليهود، بمبادرة من مّبشري جمعية لندن لنشر المسيحية بين اليهود، ووصل إلى فلسطين مُنشئ المستشفى وأول مدير له (الدكتور ماكجوان) سنة 1842م؛ ولكن مساعي المبشّرين الأنجلكانيين اصطدمت بمعارضة يهود القدس. وبمساعدة مالية من موشي مونتفيوري (الثري اليهودي البريطاني) استطاع اليهود أن يبنوا مستشفى خاصًا بهم، وأقيم المستشفيان اليهودي والإنكليزي سوياً عام 1844م.
4- المستشفى الألماني:
بُني سنة 1894م ويُعرف باسم "المستشفى المجيدي"؛ لأن من يدخله من المرضى كان يدفع ريالاً مجيدياً عثمانياً فقط، مهما طالت إقامته.
ووصفه المؤرخ الفلسطيني عارف العارف بأنه أكبر المستشفيات التي قامت بالقدس، وأن فيه مختبرًا وآلة للتصوير بأشعة (روتنجن)؛ وفي عام 1924 أداره الدكتور توفيق كنعان والدكتور غمالين، وتم إغلاق المستشفى عام 1939؛ بسبب الحرب العالمية الثانية، واُستعمل ثكنة للجند.
5- المستشفى الإيطالي:
تم بناؤه حوالي عام 1920 على طريق القديس بولس، ويتكون من ثلاثة طوابق، ويُعتبر أحدث المستشفيات الغربية الكلاسيكية عهداً.
6- مستشفى الأطفال:
وهو مستشفى صغير كان يقع شمال المسكوبية، ولم يضم سوى 15 سريراً. أسست هذا المستشفى عائلة أرستقراطية ألمانية، وأنفقت عليه طيلة سنوات وجوده من 1872 حتى إغلاقه 1899، عندما انتحر مديره (الدكتور ساندرشكي).
وفضلاً عن هذه المستشفيات، عرفت أيضاً مشافى: بيت صفافا للأمراض السارية، مستشفى بيت لحم للأمراض العقلية، مستشفى مار يوحنا لأمراض العيون 1861م، ومستشفى لمداواة المجذومين 1867م، ويقع بين حي الطالبية والبقعا التحتا، وأداره الدكتور توفيق كنعان عام 1919/.
ومما يجدر ذكره أن كُليّةَ صلاح الدين الإسلامية التي أُنشئت بالقدس سنة 1915 ضمت في برامجها التعليمية مادة لتعليم مبادئ حفظ الصحة.
تفيد المراجع بأن القدس عرفت في القرن السابع عشر الميلادي ما يمكن تسميته أوما يشابه في وقتنا الحالي النقابات الطبية، وكانت تُسمى الطوائف ولها رئيس يديرها، وقد تولى رئاسة طائفة الأطباء محمد بن أحمد سويسوا بين عامي ( 1596م/ 1610م)؛ أما طائفة الكحالين فعُرف من أعضائها إسحق بن شحاذة. وبالنسبة لطائفة البياطرة فقد ترأسها خليل بن أبي زيد عام 1555، وبلغ عدد أطبائها بين أعوام 1545 و1555 خمسة أعضاء. كان رئيس أو شيخ الطائفة يمنح الترخيص للأطباء لممارسة مهنة الطب، كما كان ذلك من جملة مهام القاضي حيث يعود له قرار تعيينهم أورفضه.
ومن الطبيعيّ أن يكون لهذه المستشفيات أو البيمارستانات وغيرها من المؤسسات العلمية والدينية دور بارز في إظهار الجوانب الحضارية في فلسطين، وإن وجود مثل هذه المستشفيات "البيمارستانات" في فلسطين، والتي تضم أطباء، وممرضين، وموظفين، وأقساماً طبية متنوعة- إنما يدل على وجود ازدهار ثقافي ونهضة فكرية في المجال الطبي.