في ضوء الهوان العربي المقيم يظهر حزب الله مثل سيف كبرياء مشرع، ومقتدر ايضا. أسر الجنود وضرب قطعة بحرية رئيسية وقصف حيفا يردّ الروح للمواطن العربي، لكن...
هل ذهب حزب الله حقا الى "مغامرة" غير محسوبة؟
بعد سماع خطاب نصرالله أمس نغامر بالقول ان هناك حسابات. نصرالله يكاد يقترح حدودا للمواجهة. عدم ضرب المدنيين والمرافق والمنشآت العامّة، وقد نبّه الى انه تجنب ضرب مصانع البتروكيماويات قرب حيفا، وقبل ذلك حاول تجنب قتل المدنيين بالصواريخ على المناطق المأهولة، والاقتراح يهدف الى تلافي التصعيد الذي يصل الى ان يستخدم كل طرف كل ما يستطيع وحيثما يستطيع، وهو وضع لا يمكن احتماله ولا يمكن استمراره، خصوصا لبلد مكشوف مثل لبنان.
اذا تجنب الطرفان الأهداف المؤلمة والخطيرة، كما يريد حزب الله، فسوف تنخفض وتيرة المواجهة كثيرا لتقتصر على تصيّد الاهداف العسكرية ما يجعل الوضع غير ضاغط كثيرا على النظام الدولي والعربي ويمكن لمستوى سخونة كهذا ان يدوم الى ما شاء الله. وقد يكون هذا هو السيناريو الذي رسمه حزب الله لمشروع عمليته العسكرية وأسر الجنود الإسرائيليين.
يبدو ان هذا السيناريو يلائم حزب الله. عودة الى المواجهة السياسية العسكرية المحسوبة وعودة حزب الله الى موقعه المجيد كقائد مقاومة، فيما تلقى على الرفّ كل الملفات المفتوحة من مطالب تحوله الى حزب سياسي وانهاء سيطرته المسلحة على الجنوب وترسيم الحدود مع سورية بما يتيح احالة قضيّة مزارع شبعا الى الدبلوماسية، وكذلك الملفات المفتوحة للاغتيالات التي سيعلوها غبار المعارك ولن يكون لائقا نبشها.
النتيجة بالنسبة الى لبنان، وفق هذا السيناريو، هي العودة الى وضع اقتصادي وسياسي انتقالي قاس يلغي فرص الازدهار والاستقرار بثمن باهظ على الناس والاقتصاد والمؤسسات، وعلى كل حال بيد اسرائيل ان تختار التصعيد او التبريد وفق ما يلائمها. ويبقى ان نسأل: ماذا بيد العرب ان يفعلوا ازاء هذا المشهد؟
كل نجاح لإسرائيل هو اضعاف لنا وعلى حسابنا، ونقد "مغامرة " حزب الله الآن لا يحلّ شيئا، لكن من المؤكد ان اي حل لاحق لا يمكن ان يتجاهل موضوع  سيطرة الدولة اللبنانية على حدودها والجنوب عموما. العمل من اجل وقف العدوان سيرتبط بالضرورة بمقترح سياسي، ومصلحة العرب توسيع المقترح ليشمل الموضوع اللبناني والفلسطيني معا، واستنادا الى عبارة، في بيان الثماني الكبار نفسه تعيد "جذر المشكلة" الى استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
اسرائيل تطالب بجنودها لكنها تعرف استحالة ذلك الا من خلال تبادل اسرى مع حزب الله، فلم لا ينطبق الاقتراح نفسه على الفلسطينيين؟ واسرائيل تريد إبعاد حزب الله وراء الليطاني مقابل وقف النار، فلم لا تنسحب هي ايضا من مناطق السلطة مع وقف شامل لاطلاق النار والاعتداءات على الفلسطينيين؟ اسرائيل ابلغت شروطها لوقف العدوان لكنها تعرف ان هذا غير ممكن من دون مقابل. والمقابل يجب ان يعرف العرب كيف يقومون على بلورته وتقديمه وحشد الدعم له؟

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري