أنا هنا أتحدث عن الشخص الذي يُجمع عليه كل الناس باعتباره «شخصا محترما»، وقد لفتت انتباهي هذه الشخصية في مفاصل عديدة من سنوات عمري، فقد كان يغيظني هذا القناع الذي ترتديه الشخصية التي يتم الاتفاق عليها بأنها شخصية محترمة.

وقد زاملت هذا النوع المحترم من الناس عبر سنوات دراستي، وعبر تنوع المهن التي عملت بها، وعبر تاريخ حياتي بمجملها، ووجدت انه من الصعب عليك ان تقنع الآخرين ان هذا الشخص قد استطاع ان يعرف اللعبة الاجتماعية ويجيدها منذ سنوات طفولته المبكرة، فهو يمتلك قدرة عجيبة على اخفاء تشوهاته النفسية المُدمرة، وأن يظهر أمام الآخرين كالحمل الوديع. ذلك أن هذا المحترم اكتشف وبشكل مبكر ان شخصية المحترم اجتماعياً هي شخصية ليست مكلفة على الاطلاق، وأن رأس مال

هذا القناع هو الحلم وعدم اظهار الغيظ والتحلي بالباطنية النادرة، والتعامل مع الناس على كافة مستوياتهم وتنوع مشاربهم بالرقة والهدوء، لكن بشرط ألا يكون هذا مكلفاً على الصعيد المادي، ذلك أن هذا النوع من المحترمين المزورين، هو آخر من يؤمن بفكرة الايثار والتضحية من أجل الآخرين حتى لو كانوا من أعز الناس.

والمحترم يعي تماماً من أين تؤكل الكتف الراعية لطموحاته ومآربه، ولهذا تراه مهادناً في كل الاشكاليات التي يواجهها مع العاملين معه أو مع اصدقائه، وتراه ليناً في معشره، وهويقوم بكل الممارسات الاجتماعية التي ليست مكلفة مادياً، فهو يواظب على الصلاة، ويواظب على مصافحة كل الناس بطريقة حميمة جداً.

لكن هذا المحترم حين تمجهر حياته البيتية في تعامله مع زوجته ومع ابنائه وبناته تكتشف العجب العجاب من الديكتاتورية والاستبداد الذكوري الذي يمارسه على العائلة جميعها، طبعاً هذا يحدث كردة فعل على خنوعه النفسي أمام الآخر وضعف شخصيته عموماً.

ومع ذلك علينا أن نعترف أن قسوته على بيته ليست علنية بل تأتي كالدلف المائي الصامت، فيبدو استبداده ناعماً وأملساً، ويمكن لاشعاعه العائلي والقاسي هذا، ان يدمر البيت والعائلة بصمت عجيب.

ومن هنا أنا لا أخاف من الشخصيات التي تصحبها الضجة والانفعال بل تعلمت أن أخاف وأحترس من هذا الذي اتفق الجميع على أنه محترم؛ لأنه يمتلك في أعماقه آلة جهنمية لا تبث الا الحقد والقدرة على ارتداء ملامح الحمل الوديع، والغريب أن معظم هؤلاء حين تحدق في لون وجوههم ترى اختلاط اللون الأسمر بالأصفر.

وتلكم هي العلامة.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور