سوف يعيد مجلس الأعيان قانون الافتاء الى مجلس النواب بعد ان أعاده الى الأصل الذي تقدمت به الحكومة، اي حصر الافتاء بدائرة رسمية محددة. واذا لم يوافق النواب على رأي الأعيان، فسيضطر الطرفان إلى عقد جلسة مشتركة، وهذا ليس ممكنا في هذه الدورة الاستثنائية، كما هو الحال ايضا بالنسبة لقانون الوعظ والارشاد، فقد نفد الوقت، ولم يعد هناك سوى جلستين أو ثلاث. وهناك قانون هيئة مكافحة الفساد الذي ما يزال ينبغي انجازه، ولو أنجزه النواب فلا وقت لكي يستكمل مراحله الدستورية اللاحقة.
يفعل النواب حسنا اذا وافقوا على قانون الافتاء كما ورد من الأعيان، فالتعديل الذي أدخله النواب بإعطاء حق الإفتاء لأي كان تحت صفة "المؤهلين" يعيدنا الى فوضى الافتاء بلا ضوابط، فمن هو الذي يقرر ما اذا كان صاحب الفتوى مؤهلا أم لا؟ فالافتاء ليس مجرد ابداء وجهة نظر، ولذلك لا بدّ من وجود هيئة رسمية مسؤولة عنه، ضمن ضوابط وآليات تخرجه من دائرة الاجتهاد الفردي لكل من هبّ ودبّ.
وكذلك الحال بالنسبة لقانون الوعظ والارشاد؛ فقد قرر النواب قصر مسؤولية الأوقاف على الخطبة الرسمية ليوم الجمعة، وترك الوعظ والدروس الدينية لمن شاء، وهذا ايضا شأن خطير. فكيف يمكن ترك منابر المساجد لمن شاء، يوجه الناس كيفما شاء؟ أليست هذه هي قاعدة الترويج لأفكار التطرف واختطاف الدين الى مشارف تكفير الآخرين وتخوينهم؟
قد لا يكون هذا شأن الأكثرية الساحقة من الوعاظ، لكن لا بدّ من وجود جهة إشراف. فالاستاذ في المدرسة او الجامعة لا يلقن المعارف كيفما شاء، ووفق اجتهاده الخاص، بل وفق منهاج مقرر متفق عليه. أمّا الحرية الشخصية في إبداء الرأي، فهي مصونة؛ اذ لكل شخص عادي او رجل دين ابداء رأيه في المجالس، وعبر وسائل الاعلام، لكن منبر المسجد ليس مكانا يستخدمه من شاء وكيفما شاء.
نعتقد ان النواب تعجّلوا في التصويت لصالح صيغة أفرغت القانونين من مضمونيهما، ونأمل ان يوافقوا على الصيغة المقدمة من مجلس الأعيان.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري