من ذا الذي سرق الصباحات الجميلة منّا وجعلنا نحدق في خيبتنا الوجودية الى هذا الحد؟ ومن ذا الذي جعلني أراقب شروق الشمس الفجرية هذا الصباح بمثل هذا الضجر الكوني؟ وأبتسم متهكماً على تلك الاشراقة
| هامساً «يا للشمس الأفاقة التي تبدو وكأنها تشرق لأول مرّة على هذا الكون | | »
أنا كنت أعرف صباحاتي كما أعرف راحة يدي، وكنت أعرف أيضاً ان التسلل الشمسي الاول لخيوط أشعة النهار، كان يجعل مساماتي ترتعش رجفة من فرحة اطلالة الصباح، وكنت أشعر أن الغبار الصباحي الذي كان يندمج مع تلك الأشعة الصباحية النحيلة ليحط على وجهي يجعلني أفتح مذياع الراديو كي يصب صوت فيروز الانثوي حتى النخاع في روحي، نغماً يجعلني أذهب نحو سهول منبسطة مغطاة بالزرع والسنابل واتطلع الى بيوت معلقة على السفوح الجبال مثل قناديل أطفأت للتو، وأنحدر نحو جداول صغيرة يمنحني تدفق المياه النحيلة فيها طراوة نادرة، والاحساس بترجرج الكوكب بين يدي | |
نعم كان الصباح يعني لي فاتحة تجعلني أشرع الابواب على طفولتي الجميلة التي كانت تتوجني كصوفي وأنا ارقب البيت والام والأخوة والأب الذاهب لفتح بوابة رزقه بهمة رجولية نادرة يحرسها خاكيه ودحرجة الدعاء الذي خلفته صلاة الفجر في روحه.
وكان الصباح فاتحة لتأمل اسفلت الشوارع التي نامت وحيدة ويتميمة من وطأة المشاة، وهو فاتحة لبقال الحار الذي قرقع باب بقالته المعدني وهو يقف كنداهة تحرس الحي وترعى رغباتنا الطفولية في مباغتة الشراء.
وكان الصباح يعني استدراج تلك ألأنثى العصية على العناق ومحاولة تطويعها بالابتسام واستنفار تلك الغرّة كي ترتعش فوق جبينها الوضاء من جديد، والذهاب معها في ثرثرة كالدغدة عن الحب وعن الغرام الذي نام مقهوراً مساء البارحة.
وكان الصباح يعني النشيد الوطني والهتاف بضرورة تحرير فلسطين والمطالبة بالوحدة العربية من المحيط الى الخليج والهتاف بأن نفط العرب للعرب | |
لم تكن صباحاتي وحيدة أبداً، كان عالماً كاملاً يستيقظ معي وهو يشد على يدي وعلى روحي كي أستيقظ تماماً، ويدعوني كي أدجج روحي بالطاقة وبالاقبال على الحياة وتثوير كل مباهجها.
كل هذا جعلني أسأل نفسي هذا الصباح على نحو مباغت عن هذا الذي سرق مني جمال كل تلك الصباحات وتركني أحدق في صباحي هذا بكل هذا اليُتم؟.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور
|