يتشبث الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بعد كل اعلان عن فشل المفاوضات للوصول الى اتفاق حول حكومة الوحدة، بكل فرصة جديدة متاحة لتجنب خيار اللجوء الى حلّ المجلس التشريعي، واجراء انتخابات جديدة.
وبعد فشل محاولة وزير الخارجية القطري، ها هو عمر سليمان، مدير المخابرات المصرية، يعود للتحرك. وهو التقى اول من أمس خالد مشعل في دمشق لبحث الموضوع، اضافة الى موضوع الجندي الاسرائيلي الأسير "شاليط".
البعض يرى ان الاردن مقصّر في لعب دور على هذا الصعيد، وقد طرح عدد من الزملاء اقتراح ان يستضيف الاردن مؤتمرا للوساطة بين حماس وفتح. ولم يرفض وزير خارجيتنا، عبدالإله الخطيب، في دردشة مساء أول من أمس هذه الفكرة، لكنه ابدى مخاوف من فشلها، ومن التشكيك بنوايا الاردن من هكذا مبادرة.
قد يتدخل الاردن وغيره بكل ثقل ممكن لمنع الاقتتال الفلسطيني؛ فالاقتتال والنزاع الداخليان كارثة على الاردن وعلى أمنه الوطني، والجفاء مع حماس لا يغيّر من الموقف السياسي تجاه الاحداث في الساحة الفلسطينية شيئا، فمصلحة الاردن، واكثر من اي بلد آخر، تتمثل في صيانة الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني، وثباته على ارضه، ووصوله الى حقوقه المشروعة. لكن التدخل في المفاوضات حول حكومة الوحدة الوطنية ينطوي على حساسية مختلفة، فالموقف الاردني المعلن والمعروف لا يختلف عن موقف عبّاس، الذي يريد لهذه الحكومة برنامجا يقبل الاتفاقات الموقعة، ومبادرة السلام العربية، لإنهاء الحصار واستئناف المفاوضات. وقد قدّم وزير الخارجية القطري صياغات التفافية لا تحلّ المشكلة، ففشلت الوساطة.
المفاوضات دون وسطاء وصلت الى مرحلة الاتفاق على نصّ قبله هنيّة ولم توافق عليه حماس، والاردن لن يقوم بتدخل يأخذ معنى الضغط على حماس، ناهيك عن أن العلاقة معها لا تتيح اصلا مثل هذا الدور الذي يمكن ان تضطلع به مصر والسعودية، وطبعا سورية اذا ما حصلت على اهتمام، وحلحلة للموقف على جبهتها (وهناك تحركات جديدة على هذا الصعيد الان!).
لكن ثمّة وجهة نظر اضافية جديرة بالاعتبار، ترى أن طوق العزلة على حماس ضاعف ارتهانها للنفوذ الايراني الذي يعيق بدوره مرونتها المنشودة لتمرير حكومة وحدة وطنية، وعلى الأقل حكومة تكنوقراط مستقلّة يقبل بها المجتمع الدولي. وبهذا الصدد، قد يكون مفيدا من جهة الاردن، رغم الملفات الأمنية العالقة، اقامة قنوات اتصال مع حماس (الخارج ايضا). وقد يكون الاستعداد لتسوية هذه الملفات جزءا من الحوافز التي تساعد حماس على العودة الى الملعب العربي، فهي في النهاية لن تكسب ولن تفيد شعبها بالتحول الى ورقة بيد ايران. وهي تستطيع التحرر من هذا الارتهان، وانقاذ الساحة الفلسطينية من الصدام، دون التنازل عن خطّها السياسي الخاص؛ فالمطلوب تمرير حكومة تقبل مبادرة السلام العربية، وإطار عمل الرباعية الدولية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري