ما وراء استقالة الرئيس الباكستاني برفيز مشرف أبعد من ضغوط  الائتلاف الحاكم، وربما أبعد من لعبة السياسة الباكستانية التقليدية بأطرفها المعروفة من الجيش والأحزاب والنفوذ الدولي، على الرغم من كل المبررات والأسباب الوجيهة التي حشدها الائتلاف الذي أطاح بالرئيس والتي وصفها بأنها ستشكل مساءلة وإدانة تاريخية، الى جانب الأسباب الأخرى التي يعرفها القاصي والداني في الازمات التي مرت بها البلاد خلال تسع سنوات من حكمه، فإن الرجل الذي قادته "الحرب على الإرهاب" الى الاستمرار والصمود في السلطة كان ضحية أخرى لهذه الحرب بشكل أو بآخر.

 

  لقد كان من الواضح في الخطابات الانتخابية للحزبين المتنافسين على الرئاسة الأميركية خلال الشهور الماضية سيطرة السؤال الباكستاني على الملفات الدولية والأولوية التي احتلتها هذه الدولة في حدود جغرافيا بؤر توليد الحركات الدينية المتشددة، حيث وجدنا فجأة كل الاصابع تتجه نحو باكستان، ورغم كل التنازلات والتحالف غير المحدود الذي قدمه مشرف في إطار تلك الحرب يبدو واضحا أن المراجعات الأميركية والغربية أيضا تقف اليوم طويلا أمام السؤال الباكستاني، عبر نبرة آخذة في التشدد مرة والتشكيك بالآليات والمضامين التي اتخذت في معالجة الساحة الباكستانية وامتداداتها الأفغانية مرة أخرى.

 

 ورغم ما قيل، بأن القوى البرلمانية للائتلاف المناوئ لا تملك الأغلبية لإقصاء الرئيس، وما قيل عن احتمال دفع مشرف لاستخدام صلاحياته بحل البرلمان في اللحظات الأخيرة، فإن القراءة المتأنية لقرار الاستقالة الطوعية بالصيغة التي ظهر فيها، توضح أن هذا القرار وان كان يبدو وليد ساعات الصراع السياسي فإنه في الواقع وليد حقائق دولية وإقليمية أخرى تفتح المجال أمام احتمالات أخرى لشكل ومضامين الأيام الباكستانية التالية.

 

 وعكس الدعوات الصريحة التي صدرت من منابر إعلامية عربية عديدة والتي دعت دولا عربية وعلى رأسها السعودية ودولا خليجية لمساندة الرئيس الباكستاني استنادا الى ان تثبيته في الحكم يعني استقرار هذا البلد الواقع على الخاصرة الشرقية للجزيرة العربية، والذي يرتبط مع مجتمعاتها ومكوناتها السياسية والمدنية بعلاقات شائكة من المصالح والعقائد والعواطف طالما شكلت مصادر للقلق والنفوذ معا، فمن الواضح أيضا ان بعض تلك الدول مارس دورا رئيسا في صفقة تنحي رجل الحرب على الإرهاب القوي!

 

 شهدت الفترة الأخيرة حالة عالية من السيولة السياسية والأمنية آخرها تفجير السفارة الهندية في كابول والاتهامات التي وجهت لجماعات باكستانية، ثم عودة التوتر الى كشمير وعودة التفجيرات الغامضة في الهند والتي اتهمت بها جماعات أصولية متطرفة ربما تجد الدعم من بعض الأجهزة الاستخباراتية الباكستانية حسب اتهامات هندية صريحة.

 

 الأيام الباكستانية القادمة ستدور حول معالجات أخرى لملف لجماعات المتشددة والإرهاب، ثمة إدراك استراتيجي واضح يتبلور اليوم في الولايات المتحدة وفي الغرب عموما وان جاء متأخرا، (يمكن مراجعة تفاصيل أكثر لدى محمد أبو رمان ويسرا الشرقاوي في مجلة السياسة الدولية)، فعلى الرغم من الحشد العسكري والاستراتيجي في الحرب الأفغانية إلا ان مكانة باكستان بقيت لوقت قريب محصورة في القيمة الجيوستراتيجية والتي فشلت كما يبدو في منطقة القبائل الحدودية التي تعد رمزا واضحا لفشل الحرب الدولية على الإرهاب، بينما غابت باكستان عن أجندات الإصلاح الغربية التي أغرقت الشرق الأوسط ومناطق أخرى بالوصفات والضغوط.

 

  وفي ضوء فشل العديد من الحملات العسكرية التي نفذها مشرف وجيشه على تلك المنطقة الوحدوية لجأت الولايات المتحدة الى تنفيذ حملات أخرى منفردة ما خلق خلافات بين الإدارة الأميركية وحكومة مشرف، وفي الوقت الذي تكررت فيه دعوات القاعدة وطالبان لمحاربة النظام الباكستاني وحللت الجهاد فيه، ظهرت دعوات أخرى تتهم النظام نفسه بدعم طالبان أو الاسترخاء في مواجهتها. 

 

 اليوم التالي الذي باتت ملامحه تتشكل في إسلام أباد، لا يتوقف عند حدود إشكالية الأمن القومي الباكستاني في محاربة التطرف والإرهاب مقابل خيارات الديمقراطية والحريات السياسية، بل ثمة أجندة دولية حول مستقبل باكستان والصراع داخله وحوله سوف تأخذ في المزيد من الوضوح قريبا.

 

بقلم: د.باسم الطويسي.


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة   د.باسم الطويسي   العلوم الاجتماعية   جريدة الغد   الآداب