بالفعل كان حضور العرب وحصادهم في اختتام اولمبياد بكين مخجلا ويجلب المزيد من مشاعر الإحباط والشعور بالدونية الحضارية، وكما في السياسة والاقتصاد يستمر الحضور العربي في الرياضة على مقاعد المتفرجين وليس في ميدان اللاعبين، وكأن لا فرق بين حالات الانبهار والافتتان بانجازات الآخرين في الألعاب السياسية أو الرياضية وسواهما، كما لاحظنا في حجم الإعجاب والانبهار بالانجاز الصيني الذي وصل إلى حد الغزل السياسي منذ افتتاح الاولمبياد حتى إعلان الحصاد النهائي من الذهب وألوان المعادن الأخرى، مقابل المداراة والصمت الذي أحاط الإخفاق في الانجاز العربي الذي لم يصل إلى مستوى منافسة دولة صغيرة مثل جاميكا التي لا يتجاوز عدد سكانها أربعة ملايين نسمة بينما يشكل العرب أكثر من 10% من سكان العالم كله.
المفارقة المؤلمة، ان العرب الذين يستحوذون على ألوان الذهب الأخرى وأهمها على الإطلاق الذهب الأسود يستمر عجزهم عن المنافسة والحضور العالمي في واحد من أشكال التعبير والممارسة الحضارية التي تعكسها الرياضة والتي تمثل جانبا من الحضور الشعبي إلى جانب الحضور الرسمي، وأداة للتعبئة المعنوية التي تحرص عليها النظم السياسية والمجتمعات معا.
يمثل حصاد العرب من ذهب مسابقات الاولمبياد منذ اشتراكهم لأول مرة في اولمبياد أمستردام عام 1928 إلى المشاركة الأخيرة في بكين حالة نموذجية لقياس وفحص حالة الاسترخاء الحضاري في واحدة من أكثر الظواهر الحضارية إثارة؛ حيث كان الحصاد العربي في الدورة الأولى قبل 80 عاما ذهبيتين من نصيب المصريين، وهو العدد نفسه في الدورة الراهنة بينما بقي هذا الانجاز المتواضع يراوح حول نحو هذه الأرقام ولا يتجاوزها، وكأننا أمام حالة ثبات في الإخفاق لا تقبل قوانين التغيير ولا تستجيب لسنن الحياة.
الوجه الآخر للمفارقة التي تتجاوز حجم الكتلة السكانية، يبدو في عجز ألوان الذهب العربي الأخرى التي راكمها النفط العربي بشكل لا مثيل له، في التسلل إلى ميادين الرياضة والانتفاع منها في توطين قدرات منافسة أثبتت تجارب الشعوب القدرة على توليدها ورعايتها بالمال والأفكار والإرادة، لكن الذي حدث يبدو في ان الكآبة السياسية تسللت إلى كل مكان وأنجبت كآبة رياضية أخرى.
تملك الرياضة ان تجعل من الصينيين سعداء بهذا الحجم من القدرة على الفرح رغم كل أشكال المعاناة، وتملك قدرة ان تضيف لشعوب أخرى المزيد من التعاسة كما هو الحال بالنسبة للعرب. فالرياضة في عالمنا المعاصر تملك قدرة هائلة على التعويض النفسي والاجتماعي، وهي أداة بالغة الخطورة إذا ما أحسن استخدامها للاندماج الاجتماعي والتوحد المجتمعي، كما ان العائد الوطني للرياضة عكس ما يتوقع الكثيرون كبير. فالرياضة على الرغم من تحولها إلى مجال ضخم للاستثمار والبزنس، تسهم بشكل ايجابي في الاستجابة التعويضية التي تسد الفجوة التي خلقتها العلاقات الباردة السائدة في العالم المعاصر السريع.
لطالما كانت الرياضة احد المداخل الأساسية لفهم جديد للعالم، وما يحدث فيه من تحولات وانسحاب للعالم القديم في الاقتصاد والسياسة والإعلام وتبدل في الأدوار والوظائف وتغير في المفاهيم، وصولا إلى ظهور قواعد جديدة للعبة.
هذا ما يحدث بالفعل مع العرب هذه الأيام في اكتشاف قوة تمنح الحيوية والقدرة على الحياة، والقدرة على التعبير بالعفوية الشعبية أو العبقرية الشعبية، مقابل اكتشاف ان قوانين العجز عن التغير لا تكمن فقط في السياسة وسواها، بل تتجلى في الرياضة التي تضيف كآبة أخرى إلى سلالات من الكآبة المستوطنة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد