الموقف من الأزمة اللبنانية يغري على الفور باستدعاء الحالة الفلسطينية لإظهار ازدواجية المعايير عند الغرب. ففي لبنان يدافعون عن الشرعية الدستورية للحكومة بوصفها تمثل الأكثرية البرلمانية، لكنهم في فلسطين يقبلون إطاحة حكومة حماس المنتخبة ديمقراطيا وبالأكثرية.
لكن سلاح المقارنة يمكن استخدامه بالضبط معكوسا؛ اذ للسبب نفسه لا يجوز للبعض أن يؤيد اسقاط حكومة الأكثرية في بيروت، في حين يعارض اسقاط حكومة حماس لأنها تمثل الأكثرية. والشيء نفسه ينطبق على الانتخابات؛ فالذين يعارضون بأعلى صوت حلّ المجلس التشريعي الفلسطيني واجراء انتخابات جديدة، يؤيدون حلّ المجلس النيابي اللبناني، مع أن كلا من المجلسين بالكاد أمضى عاما واحدا من عمره!
هناك مقارنات اخرى انطوت على مفارقات طريفة؛ فقد خطب العماد عون في الجماهير الحاشدة أول من أمس مسترجعا النموذج الأوكراني، حين اطاحت التظاهرات الشعبية بالحكومة بدعم من الغرب الذي ينكر الآن على اللبنانيين الأسلوب نفسه. لكن الطرف الآخر كان بالمرصاد، اذ أعاد تلفزيون المستقبل، مرارا وتكرارا، بثّ خطبة قديمة لنصرالله أيام كانت الأكثرية الحالية تتظاهر ضدّ حكومة عمر كرامي، يصرخ فيها بأعلى صوته أن لبنان ليس أوكرانيا، وأن بضع تظاهرات في الشوارع، ووضع شالات من لون معين ليس الطريق لاسقاط الحكومة، محذرا من ضرب الاستقرار والأمن... الخ. والحق ان اللبنانيين أظهروا على الجانبين تفوقا واحترافا مذهلا في ادارة الحرب الاعلامية الجارية.
هناك اغراء واضح في استخدام هذه المقارنة أو تلك، لخدمة هذا الموقف السياسي أو ذاك. ولا أحد يوقف خطيبا في الجمهور لتنبيهه الى ازدواجية المعايير في موقفه، استنادا إلى المقارنة نفسها، لكن الكتاب والمعلقين يحتاجون الى درجة اكبر من الحذر، حتّى لا يجرّهم الهوى السياسي الى توظيف المقارنات بالطريقة نفسها.
محاكمة الموقف على الساحتين الفلسطينية واللبنانية بعيدا عن ازدواجية المعايير، هو تحدّ للكاتب والمعلق السياسي، وهو ما أنوي الخوض فيه، لكن في المقال القادم.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جميل النمري