تُرى ما ستكون ردّة فعلكَ إن جاءك ابنك الذي لم يتعدَّ عامه الثاني عشر ليخبركَ أنه أصبح أباً؟! هو نفس الابن الذي لا يزال يدرس ويأخذ مصروفه اليومي منك ويلعب في البلاي ستايشن لساعات ويتخاصم مع اخوانه حتى من دون سبب! أستطيع أن أتوقّع ما سيكون موقفك كمسلم عربي حين تتلقّى مثل هذه الصفعة.. ولا أظنها بعيدة إن استمر الوضع على ما هو عليه من التحلل وانتشار الرذائل عبر القنوات التي أنشئت لهذا الهدف وإن لم نتحرك بكل جهدنا للصد..
نشرت مجلة الصان البريطانية منذ أيام خبراً مفاده أن صبياً –آلفي بايتن- أصبح أباً لفتاة –مايسي- بعد أن أقام علاقة "غرامية" مع فتاة تكبره بسنة –شانتال ستيدمان- دون أخذ "الاحتياطات" ما أنتج حملاً استمر بعدما رفض الطرفان إجراء عملية الإجهاض للأم العزباء..
وكانت الشرطة قد بدأت تحقيقاً سرعان ما أغلقته لأنه "لا يصبّ في مصلحة أحد" والجدير بالذكر أن القانون البريطاني يحظِّر ممارسة الرذيلة لمن هم دون السادسة عشرة من العمر.. ويكأنّه لا بأس بأن يكون هناك علاقات محرّمة وتفلّت ولكن على أن يكون ذلك بعد سنٍّ معيّن!
وبالنظر إلى أسباب هذه الظاهرة فقد أرجع البعض في بريطانيا مسؤولية هذا الحدث إلى مادة التربية الجنسية في المدارس والبعض الآخر حمّل المسؤولية للتفسخ الاجتماعي الحاصل هناك..
وهنا سؤال يطرح نفسه وهو موجّه للمتشدّقين بإطلاق الحرية كاملة في مجتمعاتنا الشرقية والذين لا يرون في كل ما هو غربي شيناً بل حضارة ورقي "هل تريدون أن تنتشر الرذائل في مجتمعاتنا ويصبح أطفال المسلمين آباءا وأمهات كهؤلاء؟!"
يا أيها التائهون في فضاءاتها.. إن السبب الحقيقي لما تغصّ به مجتمعاتكم هو انعدام الدين والأخلاق والتربية! وأي سببٍ آخر هو هروب من الحقائق التي تبلورت أو نتيجة لفقدان هذه الركائز الثلاث لأي مجتمع سليم..
هزّني خبر "الطفل الأب" لأنّ هذا ما يُخطّط له لمجتمعاتنا العربية.. فللأسف نحن شعوب مهزومة تنظر الى الغرب نظرة تمجيد وإكبار وكلما دخلوا جحر ضبٍ دخلناه.. واليوم نخشى على مجتمعاتنا أكثر حين استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير.. وحين اقتبست من "حضارتهم" ظلمات تراكمت بعضها فوق بعض.. فانتشرت الفضائيات الهابطة وقلّت التربية  واقتحمت الانترنت عقر غرف نومنا لتكمل مهمة تضييع الجيل وسيطرت الشهوة على العقل فتعدّدت سبل الإشباع في طرقٍ محرّمة!
إنّ أكبر نسبة من الاستشارات التي ترِد مواقع الاستشارات تتناول موضوع إدمان الشباب للعادة السريّة وإدمان الزوج للمواقع الإباحيّة والأفلام الجنسيّة.. والشوارع حبلى بعمليات التحرّش بالنساء حتى المحجبات لم يسلمن من هذا الأمر.. والسِفاح وزنا المحارم منتشر والأخبار تهدّ الكيان فهذا أبٌ يعاشر ابنته لأكثر من عشر سنوات وهذا عمّ فضّ بكارة ابنة أخيه وهذا خال يتعدّى على ابن أخته والحديث يطول وهو مؤلم وفظيع.. فأن يتحوّل الإنسان الذي كرّمه الله جل وعلا بالعقل والخُلُق إلى وحشٍ كاسر لا يفكّر إلا بإشباع نَهم شهوة الفرج لهي أكبر الكوارث التي يمكن أن يُبتلى بها مجتمعنا العربي..
ومن هنا تقع على عاتق كل عائلة حماية أبنائها وبناتها من براثن هذه المصائب المستشرية وتتجلّى أهميّة التربية الجنسية الصحيحة على الهدي النبوي لتوعية الأبناء والبنات على مخاطر الانزلاق وراء الشهوة ولإرشادهم أن هذا "الجنس" هو عملية طاهرة لاستمرار الجنس البشري وهي نِعمة من الله تعالى كنِعمة البصر وغيرها..
فليبدأ كلٌّ منّا من بيته بوضع أسس وقواعد يلتزم بها أهل البيت وإن امتنع أحدٌ منهم فالحوار هو السبيل للإقناع ابتداءًا.. فهو الجسر الذي على الأهل تمكينه بينهم وبين الأبناء ليستطيعوا عبره أن يدلفوا إلى أعماقهم ويتفهّمونهم وبالتالي تصبح عميلة الإرشاد والتوجيه أسهل وفعالة أكثر..
ومن أهم هذه الخطوات التي يجب أن يتّبعها الأهل من داخل البيت لحماية أولادهم من الانحراف:
-  التفريق بين الأولاد في المضاجع.. والفصل بين البنات والصبيان في النوم..
-  عدم السماح لهم أن يناموا خارج البيت عند أصدقائهم أو أقاربهم..
-  تعزيز فكرة مراقبة الله جل وعلا لهم وتنمية التقوى في أنفسهم..
-  عدم السماح لهم بالاختلاء لفترات طويلة..
-  مراقبة المواقع التي يدخلوها على الانترنت وتعطيل المواقع الإباحية بواسطة فلتر خاص..
-  تشفير المحطات الخلاعية في الدش والإبقاء على الفضائيات ذات الأهداف الراقية..
-  مراقبة أصحابهم فإن كانوا أهل سوء فحاولوا صرف الأبناء عنهم وتعريفهم على أصدقاء ملتزمين..
-  انتهاج مبدأ جلسات الحوار العائلية الأسبوعية لبث الوعي والإرشاد بالحسنى وبالحب..
-   التأكيد على التربية الجنسية المناسِبة في كل مراحل حياتهم – فيكون الرد على مستوى سنّ السائل وإدراكه - حتى لا يُترَك الأبناء للمجهول أو للمصادر غير السويّة لتعطيهم المعلومات الخاطئة فينزلقوا في أتون الانحراف رغبة في الاستكشاف..
-   سرد قصص القرآن الكريم والصحابة والسلف التي تُعنى بزرع الفضائل والعفّة والطهارة في نفوس الأبناء كقصة يوسف عليه السلام وقصة ابنتي شعيب وقصة شبيه يوسف في زمن عمر رضي الله تعالى عنه وغيرهم..
-  التركيز على تربية الإيمان والحياء والصبر والخشوع في الصلاة والصيام ففيه وجاء..
-  الحث على الزواج المبكِّر..
-  التحذير من الاختلاط بالجنس الآخر وإطلاق العنان للنظر والشهوة..
-  اختيار المدارس الاسلامية التي نثق أنها لن تنشر مفاهيم وسلوكيات مخالفة لتعاليم ديننا..
-  توعية المراهقين على اختلاف نظرة الغرب ونظرة الإسلام للعلاقات بين الشاب والفتاة..
وتقع على عاتق الجمعيات الأهليّة والحركات الإسلاميّة والمؤسسات الشبابية والمدارس ورجال الدين والدعاة والعلماء أيضاً مسؤوليات كبرى في فضح هذا الغزو الإعلامي والفكري الغريب عن تقاليدنا وديننا وفي نشر الفضيلة والقيام بحملات ضد الفضائيات الهابطة واتشار النت دون مراقبة والسعي لتغريب شبابنا.. وضد كل ما من شأنه أن يساهم في انحراف هذا الجيل.. خاصة في ظل تلك المؤتمرات التي تهدف للتحلل من الأخلاق والطهارة كمؤتمر بكين الذي يدعو إلى "تمتع الفتاة بحريّة جنسية آمنة مع من تشاء وفي أي سن تشاء.. مع تقرير الإباحية الجنسية وإلزام جميع الدول بالموافقة على ذلك.. مع المطالبة بسَنّ القوانين التي يُعاقب بها كل من يعترض على هذه الحرية حتى ولو كان المعترض أحد الوالدين.. وتقليص ولاية الوالدين وسلطتهما على أبنائهما، حتى ولو كانت تلك الممارسات في داخل البيت الذي تعيش به الأسرة، فللفتاة والفتى أن يرفع الأمر إلى السلطات التي ستلزم بسنّ قوانين تعالج أمثال هذه الشكاوى؛ فالمهم هو تقديم المشورة والنصيحة لتكون هذه العلاقات (الآثمة) مأمونة العواقب سواء من ناحية الإنجاب أو من ناحية الإصابة بمرض الإيدز"..!!! وهذا غيضٌ من فيض!
أبناؤنا أمانة في أعناقنا.. ويجب أن نقضي جاهدين على كل المؤثِّرات السلبية للتغريب والعولمة ولا شك أن تقوية التربية الإسلامية فيهم هي السبيل الأنجع لحمايتهم وارتقائهم.. فلنشمِّر!

المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع