ديماغوجي مصطلح من أصل يوناني معناه الحرفي هو " قائد الشعب"، ولقد استخدم أفلاطون مصطلح "ديماغوجي" بهذا المعنى فأطلقه على قادة النظام الديمقراطي بعد انتصار الديمقراطية في أثينا ، ولم يخف أفلاطون في كتاباته عدم ثقته في الديمقراطيين وقادتهم الديماغوجيين الذين ينادون بالمساواة المطلقة بين الأفراد ، ومن ثم بإتاحة فرص المشاركة السياسية للجميع مدعين أن هذه المشاركة لا تحتاج إلى كفاءات معينة وذلك لإيمانه باختلاف النزعات الطبيعية والقدرات الذهنية .
ويرى بعض المفكرين أن عدم ثقة أفلاطون في الديمقراطية واحتقاره لقادتها الديماغوجيين يعود إلى نشأته الأرستقراطية حيث كانت تعده عائلته لتولي المناصب السياسية الهامة ، فكان لانتصار الديمقراطية في أثينا أثر مباشر في حرمانه وعائلته من القدرة على ممارسة أي تأثير سياسي ، وقضت بالتالي على تطلعاته السياسية ، ويجد هذا الرأي سنداً له فيما كتبه أفلاطون ذاته في الخطاب السابع والذي عبر فيه عن شعوره بالإحباط لانهيار مثالياته وتقوض طموحاته السياسية .
 
 ويرى فريق آخر من دارسي الفكر السياسي أن مهاجمة أفلاطون النظام الديمقراطي ووصمه بالديماغوجية إنما يعود إلى ملاحظته الفعلية لتجربة الحكم الديمقراطي في أثينا وعدم اقتناعه بها لأسباب موضوعية ترجع إلى المشكلات العملية التي ظهرت أثناء الممارسة وليس لأسباب شخصية ، ولقد أكد أفلاطون في الخطاب نفسه أنه بعد ملاحظته ودراسته لجميع أنظمة الحكم الموجودة على الساحة وجد أنها فاسدة كلها دون استثناء ، ولقد شرح سبب فساد النظام الديمقراطي، بقوله إن الشعب في مجموعه جاهل وأنه لذلك يكون عرضة للتأثر الشديد بالخطب المنمقة والعبارات الرنانة التي يستخدمها قادته ومن ثم فهو يشكل آراءه ويتخذ قراراته ويصدر أحكامه متأثراً بما تقوده إليه انفعالاته لا بما يمليه عليه العقل .
ومن تحليل أفلاطون الأخير هذا جاء الاستخدام المعاصر لمصطلح الديماغوجية ، فالديماغوجية تــُستخدم الآن بمعنى : القدرة على كسب تعضيد الناس ونصرتهم عن طريق استثارة عواطفهم واللعب بأحاسيسهم ومشاعرهم وليس عن طريق الحوار العقلاني معهم، والديماغوجي هو الشخص القادر على الوصول إلى السلطة السياسية مستخدماً مهاراته الخطابية ، حيث يستطيع أن يتحكم في انفعالات المستمعين إليه وأن يدفعهم إلى التحرك في الاتجاه الذي يريده هو بالرغم من وجود اعتبارات كثيرة موضوعية ترجح عدم التحرك في هذا الاتجاه ، ويرى العديد من المفكرين أن الديماغوجي لابد أن يكون متصفاً أصلاً بصفات كاريزماتية وبصفات قيادية ، وأن يكون شديد الثقة بنفسه وقادراً على أن ينقل ذلك الشعور بالثقة للآخرين بحيث يظهر لهم وكأنه مقتنع تماماً بصدق ما يقوله لهم رغم علمه التام بزيف ما يدعيه، ودائماً ما يعزف الديماغوجي على وتر قدرته على الرؤية المستقبلية لأخطار تحدق بالشعب ولا يستطيع أن يراها، فيدعو الناس للتكتل وراءه ليحارب بهم قوى الطغيان التي يعلم دونهم أنها تحاول قهرهم والسيطرة عليهم ، والديماغوجي يكون دائماً مهتماً بالوصول إلى السلطة أكثر من اهتمامه بالصالح العام ، ومن ثم يكون مستعداً دوما لتبني سياسات ذات عواقب وخيمة بالنسبة للشعب إذا ما كانت هذه السياسات ستحقق هدفه الشخصي في الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها .
وهذا في الحقيقة يخالف النظرة الإسلامية من عدة وجوه يلْمح إليها فيما يلي :
أولاً : أنه طالب سلطة لمجرد السلطة ، وهذا غير جائز في الإسلام ولا ينبغي لمسلم أن يكون طالب سلطة لمجرد أن يكون رئيساً أو يحقق طموحاً بغير عمل.
ثانياً : أنه يعتمد على خداع الناس ، وهذا إثم كبير لا ينبغي أن يسير فيه مسلم أو يقصده مؤمن ، وفي ذلك من النهي وتشديد العقوبة ما لا يخفى على أحد .
ثالثاً : فقير المواهب عليم اللسان غير مستعد للعمل ، وهذا ما نهى عنه الإسلام : (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
رابعاً : استعداده لتبني سياسات ذا عواقب وخيمة إضراراً بالمسلمين [  كأن يقدم قطعة من بلـده ليثبت حكمه ]، وهذه من أشد الدواهي التي تنكب بها الشعوب والأمم في سبيل مصالح شخصية .
 وهكذا يبدو لنا أن هذه الصفـة تنطبـق على كثير من حكام العالم الثالث ( ومعظمه من العالم الإسلامي ) ... فحكامه طلاب سلطة ، باعـوا البلاد للشيطان الصهيوني والصليبي ، وخربوا البلاد باسم الاشتراكية ، ثم الديموقراطية ... يضحكون على الشعوب الجاهلـة التي تسمع كلامهم الجميل ، وعباراتهم المنسقة ... ثم لاترى غير  الفقر والذل وخيبـة الأمـال والسجون والمعتقلات ....

المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع