جاء الرئيس الروسي الى المنطقة وصدى تصريحاته في مؤتمر الأمن في ميونخ مايزال يملأ وسائل الاعلام ويثير ضجيجا. في هذه الأجواء تبدو زيارة بوتين وكأنها تؤكد عودة روسيا الى دور دولي نشط، يستثمر انحسار مكانة أميركا بعد عقد ونصف العقد على تفردها المطلق في هذه المنطقة وغيرها.
منذ وصول بوتين الى السلطة العام 2000 أخذت روسيا تسترد عافيتها تدريجيا من آثار انهيار الاتحاد السوفييتي، وحقبة يلتسين الكارثية التي حوّلت روسيا الى حطام برسم النهب والسلب، مستباح أمنيا واقتصاديا بصورة ما خطرت في خيال أحد.
في الواقع، الولايات المتحدّة دعمت وصول بوتين، رجل الـ"كي. جي. بي" القوي، لأن البديل الآخر لحكم يلتسين المتداعي مثل شخصه الثمل، كان الشيوعيين فقط. وبعد قليل، ثبت أن هذا الرجل ذا الوجه الشاحب والبنية الضئيلة يملك رؤية وطنيّة مستقلّة، وسلطة كافية ليقوم، بكل حزم، بتصفية الاختراقات الأجنبية الصهيونية والأميركية التي هيمنت على المؤسسات الاعلامية والاقتصادية.
وخلال بضع سنوات، تمكن بوتين من تصحيح الأوضاع والإمساك بالزمام على كل المستويات، وأصبحت هنالك سياسة وطنية مكّنت البلاد من استعادة مكانتها التي تستحقها، وهي من اكبر دول العالم مساحة، وأغناها بالثروات الطبيعية، ومنها البترول والغاز الذي تمدّ به معظم أوروبا. ويعدّ الاقتصاد الروسي واحدا من أقوى عشرة اقتصادات في العالم، وقد حقق العام الماضي نموا بنسبة 7% تقريبا، وجرت السيطرة على التضخم وفق نسب معقولة.
استقبلت السعودية أمس أول رئيس روسي في تاريخها. وهنالك اسباب مهمّة عند الطرفين للتلاقي؛ فالسعودية تخرج من خيبة امل عميقة من الادارة الأميركية الحالية بسبب سياساتها الخرقاء التي تجاهلت كليا التحذيرات والنصائح من أهل المنطقة، ووقعت في شرّ أعمالها. وروسيا تضيق ذرعا بالرعونة الأميركية في سياسة التفرد والهيمنة والفرض، وأسوأ من ذلك التمدد في محيط روسيا ومجالها الحيوي، بضم المزيد من دول جوار روسيا الى حلف الأطلسي؛ وأكثر من ذلك التخطيط لنشر صواريخ في بعضها. والى جانب السياسة، وبما يخدمها ايضا، هنالك مصالح اقتصادية ضخمة يمكن تطويرها بين الجانبين.
بعد أكثر من عقد ونصف العقد من التفرد المطلق للولايات المتحدة كقوّة عظمى وحيدة، انتهى الأمر مع هذه الادارة الى الفشل في استخدام القوّة بصورة سليمة، وهو فشل كلف الكثير من الهدر المادي والاستنزاف المعنوي، وينتهى الى انحسار السطوة الأميركية، ويفسح المجال لعدّة أقطاب، على رأسها روسيا، لتحقيق حضور أقوى على الساحة الدولية يوازن نفوذ الولايات المتحدة.
سبق ان زار جلالة الملك روسيا غير مرّة، والعلاقات بين البلدين ممتازة. وها هو بوتين الآن في عمّان وسط ترحيب رسمي وأهلي، وأمل عارم برؤية روسيا تلعب دورا أقوى في الساحة الدولية، وفي التوصل إلى حلول ايجابية لقضايا المنطقة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري