كنت وحينما أشاهد بعض الافلام التي تم انتاجها في مطلع الأربعينيات من القرن المنصرم، أحس بالدهشة من القصور والديكورات والأثاث الفخيم الذي يحتل المشهد، وكان هذا يقودني الى تساؤل بسيط مفاده «ونحن في الألفية الثالثة أين ذهب هذا الأثاث وفي أي مقبرة تاريخية يرقد».

وذات مرّة أتيحت مشاهدة برنامج على احدى القنوات الفضائية المصرية، حيث لقاء أجرته المذيعة مع محل خاص بالأنتيكة، وعرفت من خلال البرنامج ان الرجل صاحب المحل قد حصل على معظم ما كانت تخلفه هذه الافلام. واحتفظ بها كتحف فنية، يقوم حالياً بتدويرها اقتصادياً وتأجيرها لمخرجي افلام تتناول تلك الحقبة.

الأمر في «مقبرة الأثاث» يأخذ شكلاً مختلفا في عاصمتنا عمّان، ذلك أن الصدفة قادتني أمس الأول الى سقف السيل، وتوقفت أتأمل بما أصطلح على تسميته ب»سوق الحرامية»، وقد لفت انتباهي زاوية يقف عندها رجل يبيع ادوات نحاسية، وحينما اقتربت منه كي أتأمل لون النحاس الأصيل والمبتهج، بدأت أستمع لحوار بين الرجل البائع وشاب، كان يفاصله على قضيب نحاسي قصير ينتهي رأسه بتشكيلة نحاسية جميلة جداً لرأس أفعى.البائع طلب ثمنها بما يقارب ال»40» دينارا ، لكن الشاب الحذق شرائياً قال له أدفع لك خمسة دنانير وهنا جنّ جنون البائع، وهو يقول له «حرام عليك يا رجل هذه تحفة يبحث عنها اصحاب الاعمال الدرامية كي يمسك بها السادّة «. لكن الشاب ردّ ببرود «خمسة دنانير» وهم بالمغادرة، لكن الرجل استوقفه قائلاً « أعطني المبلغ

وحينما بدأت بالتجول فوجئت بوجود ساعات ثمينة وساعات حائط وأبواق نحاسية وقلادات تحمل بعض احجار كريمة نادرة أيضاً. وكانت المفاجأة بالنسبة لي حين رأيت آلة «الزينوغراف»، لمستها بيدي وشعرت أني أوقظ تاريخاً مخملياً لعائلات من علية القوم كانت ترقص حول هذا الجهاز وهي تسمع لأساطين الغناء العربي في مطلع القرن. وأخذت ارسم سيناريوهات للوضع الذي جعل صاحب هذا الجهاز يبيعه، او يلقيه في الحاوية كجهاز فائض عن الحاجة. أم انها الفاقة؟

المهم أن لاحظت أني أقف على حافة الجورّة التي تشتهر في عمان بالأثاث المستعمل، وقد رأيت غرف نوم فخمة جداً معروضة للبيع، ورأيت غرف نوم انتهت صلاحيتها الفراشية

، وكان أن رأيت صندوقاً خشبياً من خشب غريب وقد حفرت عليه بعض الأشكال التي تكاد تكون شيطانية، وحينما سألت عن سعره قال لي البائع «400 دينار».

تطلعت بنظرة دائرية للمكان، ولا أدري لماذا شعرت بحزن غامض وأنا أغادر المكان.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور