على قدر ما تستحق وزيرة التنمية الإجتماعية التقدير على جرأتها في كشف الفساد بالأرقام في مؤسسات المعونة والمساعدات الاجتماعية على قدر ما تضع المؤسسات التابعة لوزارتها أمام المساءلة، ما يدفعنا لنسأل ماذا بعد؟
فهل توفرت ضمانات في أداء هذه المؤسسات تمنع تكرار هذه الأوضاع؟ ولماذا يستمر تعثر مأسسة آليات واضحة وقادرة على إيصال المعونة الوطنية لمستحقيها؟ ثم لماذا كل هذا الضجيج الإعلامي والانتشاء السياسي والإجراءات التي تتحدث عن اجتراح الحلول لإيصال الدعم غير المباشر لمستحقيه ما دام الدعم المباشر يتعثر في الوصول إلى الفئات المستهدفة؟
تصريحات الوزيرة الجزئية جاءت خلال اجتماع مع اللجنة المالية في مجلس النواب وكشفت عن إيقاف (29) ألف حالة معونة مزدوجة؛ بمعنى أن أولئك كانوا يتلقون معونات من أكثر من جهة في نفس الوقت على نفس الحالة، وهو ما لا يتفق مع مبدأ المعونة الوطنية وفلسفتها القائمة على توسيع قاعدة المستفيدين المستحقين عبر ضمان عدالة التوزيع وتوفر حد من الاكتفاء لهذه الفئة، لا أن تتحول الصناديق الوطنية إلى مجرد تنفيعات لكل من له سند أو يد طويلة، ولا يتورع عن مدها مرات على أموال الفقراء.
كما هو الحال في المفارقة الأخرى، التي كشفت عن وجود (400) حالة كانت لوقت قريب تتقاضى رواتب من صندوق المعونة الوطنية وأصحابها متوفون، حيث يبدو الأمر للوهلة الأولى وكأن البلاد تنعم بوفرة في الموارد وفائض في الأعطيات حتى نال هذا العطاء المتوفين.
في السنوات القليلة الماضية كان هناك إدراك رسمي واضح لاضطراب المعلومات الخاصة بمؤسسات تقديم المساعدات للفقراء، والتي أخذت مؤخراً تنطوي تحت مظلة شبكة الأمان الاجتماعي، وعلى هذا الطريق ارتفعت الأصوات المتحدثة عن ضمانات لعدالة التوزيع، وضرورة وصول الدعم لمستحقيه.
ويبدو أن مرحلة تحرير بعض السلع الاستراتيجية من الدعم الحكومي، التي صاحبها حملات إعلامية حول إيصال الدعم غير المباشر لمستحقيه، قد أغفلت أن الدعم المباشر يتعثر في الطريق ولم يصل بعد.
ذلك أدى إلى ازدياد الحديث عن أهمية انشاء قواعد بيانات ومعلومات متكاملة حول الفقراء ومستحقي الدعم والمعونة، إلى جانب ضرورة خلق إطار رسمي أو شبه رسمي للتنسيق بين الجهود التي تبذلها مؤسسات متعددة، قد تكرر نفسها او تكرر المعونات لنفس الفئات. لهذه الغاية تم إنشاء هيئة مستقلة (الهيئة التنسيقية للتكافل الاجتماعي) ننتظر أن يكون لها الدور الحقيقي المطلوب، في سد فجوة المعلومات واضطرابها التي تفتح المجال أمام أشكال متعددة من الفساد، والذي يجب ان نسميه فسادا، فأقسى ما يكون الفساد حين يتجرأ على أموال الفقراء وباسم الفقراء.
يجب أن نعترف بوجود أزمة معلومات وطنية لها مستويات متعددة، وتداخلات تضعف بنى التنمية وبناء القدرات الوطنية، يعكسها ضعف بنية المعلومات في معظم القطاعات، ويبرز هذا الضعف المعلوماتي في الأداء وفي كفاءة توظيف المعلومات في قطاعات التنمية على الرغم من صورة الأردن الإيجابية في مجال نقل وتوطين تكنولوجيا المعلومات وتأهيل الموارد البشرية في هذه المجالات.
قامت الخبرة الاقتصادية الأردنية خلال العقود الماضية على مواجهة الأزمات الاقتصادية بالحلول السياسية من خلال ما امتازت به قيادة الدولة من قدرات استثنائية في جلب المساعدات الخارجية العربية والغربية. وما يجري اليوم يبدو في بعض ملامحه انعطافا تاريخيا في البحث عن حلول اجتماعية للأزمات الاقتصادية.
وكما هو معروف فالحلول الاجتماعية قصيرة المدى، ولا يمكن أن يُلقى على عاتقها أعباء تفوق طاقة المجتمع على التحمل أو طاقة الدولة على الاستمرار بالدور الاجتماعي. فما يزال الفكر الاقتصادي المحلي عاجزا عن إيجاد حلول اقتصادية للأزمات الاقتصادية، فبعد أن أفرغت الحلول السياسية وتآكل دورها بفعل محددات خارجة عن الإرادة الوطنية، لا يمكن الاتكاء على الحلول الاجتماعية.
صحيح أن الحكومة في كل مرة تحاول إيجاد بدائل لوصول الدعم إلى الفئات الأقل رعاية والتي تستحق الدعم أكثر من غيرها، إلا أن هذا الدعم لا يصل احيانا لهذه الفئات التي تزداد فقرا وحاجة بفعل قسوة قانون السوق والاختلالات الهيكلية المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، بمعنى إعادة اختراع الحلقة المفرغة مرة أخرى. فالحلول الاجتماعية كما هي الحلول السياسية لا يمكن ان توفر وحدها المسار الوطني لمحاصرة الفقر ومكافحته.
تعظيم الفائدة من المداخل الثلاثة؛ السياسي والاجتماعي والاقتصادي، في مهمة مواجهة الفقر والظواهر الاقتصادية الاجتماعية المرافقة له، يحتاج بنية معلوماتية قوية ومتكاملة ومحدثة باستمرار، فلقد أهدرت أموال وطاقات كثيرة لا ندري اليوم إلى أين ذهبت، السبب بكل بساطة فقر معلوماتي لا يقل خطورة عن الفقر الحقيقي.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد