لا شك ان زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، الى دمشق كانت اختراقا سورياً مهما للحصار الذي تفرضه واشنطن. وقد ضاعفت بيلوسي حصاد سورية من الزيارة بنقل رسالة من أولمرت لاستئناف مفاوضات السلام، ردّت عليها دمشق إيجابيا، مع ان اولمرت عاد لمراعاة ادارة بوش مستدركا العرض بشرط "تخلي سورية عن دعم الارهاب".
ليس هذا آخر ما تستطيعه سورية، فهي تملك ان تناور وتفتح نوافذ ومنافذ في كل الاتجاهات. فالنظام ليس على حافّة السقوط، ولديه هامش واسع للتحرك وابداء المرونة وتقديم عروض للتفاهم في جميع القضايا المطروحة باستثناء واحدة!
لا الحدود مع العراق والادّعاءات بدعم الإرهاب، ولا العلاقة مع إيران، ولا حماس وحزب الله، ولا أي قضيّة اخرى يمكن ان تشكل عائقا، فهي كلها قابلة للمساومة والتفاهم، ولدى النظام ارث عريق في اجتياز المنعطفات الصعبة، والاستدارة 180 درجة حين يلزم الأمر للخروج من عنق الزجاجة؛ لكن شيئا واحدا يرتسم كجبل في الأفق ولا سبيل للالتفاف عليه، ونعني المحكمة الدولية.
يمكن لسورية ان تلعب دورا ايجابيا في حلّ الأزمة اللبنانية، لكن عقدة الأزمة اللبنانية هي المحكمة الدولية. وبصراحة كاملة، فان حزب الله يستطيع غدا الوصول الى تفاهم مع الأغلبية على كل الملفات لو تلقى اشارة من سورية بتمرير موضوع المحكمة.
مهما جرى تغليف الموقف، فكل سياسة سورية تتمحور حول كيفية ابعاد هذا الاستحقاق، لكنه استحقاق يستحيل تجاوزه، والأغلبية اللبنانية التي عجزت عن تمرير المحكمة لأن رئيس مجلس النواب أغلق البرلمان، قررت الطلب إلى مجلس الأمن التصرف بموضوع المحكمة، وهو ما يعني قيامها تحت الفصل السابع. وعليه، فمهما كان منحى الأزمة اللبنانية، ولو وصلت الى الحرب الأهلية، فالمحكمة ستكون موجودة.
اذا كان النظام في سورية غير متورط، هو او بعض أجهزته او رموزه، فالمحكمة الدولية لصالحه تماما، وسيحقق عبرها نصرا مؤزرا، لكن الخوف من المحكمة والدور المركزي لها في انفجار الأزمة اللبنانية واستمرارها يقولان شيئا آخر. وفي هذه الحالة، أمام النظام طريق واحدة لا غير، هي القبول بالتضحية بأي رمز (دون رئيس الجمهورية) يثبت تورطه. فنظام المحكمة المقترح لا يسمح بمحاكمة رؤساء الدول، وهذا هو شق الخلاص الذي ترك مفتوحا حتى لا تتحول المحكمة الى مواجهة مع نظام سياسي. وقد كان هذا التعديل هو ما نجحت روسيا، بموافقة حكومة لبنان ودعم آخرين، في تحقيقه، وعلى النظام في سورية ان يرضى بالتعامل معه. الجرائم حصلت، ولا يمكن اعادة عقارب الساعة الى الوراء، والمسؤول يجب ان يدفع الثمن اذا نجحت المحكمة في تحديده.
لدى سورية اوراق كثيرة، وهي تستطيع العودة الى الملعب عبر كل المداخل. والى بعض الوقت، تستطيع تسجيل نقاط مهمّة. لكن كل شيء سينتهي عند ممر اجباري لا يملك النظام الالتفاف عليه، ولا يملك احد تمكينه من الالتفاف عليه، وهو المحكمة الدولية. واذا لم يقرر النظام قبول هذا الممر واستحقاقاته، فالأزمة النهائية قادمة لا محالة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري