بقدر ما يطرح تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان مسائل في غاية الأهمية والخطورة حول الأداء العام في مجالات حقوق الانسان الأساسية على قدر ما يوفر طمأنينة وطنية من نوع آخر في واحد من أكثر الملفات حساسية وخطورة، حيث يقرأ تقرير المركز الوطني من زوايا متعددة تختلف فيها التأويلات والتفسيرات.
القيمة الحقيقية لهذا التقرير ليست في رصد ومتابعة أحوال حقوق الانسان في المملكة والإحاطة بها، ولا فيما كشفه من مواطن الاختلالات في اداء بعض المؤسسات التي تتجاوز القوانين وتسيء لسمعة الدولة وصورتها، وعلى حد سواء لكرامة مواطنيها وسمعتهم. إنّما القيمة المهمة لهذا التقرير تبدو في إرساء تقاليد وطنية باتت تتشكل في مؤسسات تنتزع تدريجيا استقلاليتها وتبلور صيغة متقدمة لمفهوم المصلحة الوطنية، ما يمنحنا طمأنينة من نوع آخر. 
طرح التقرير بجرأة جملة من القضايا الحقوقية الأساسية التي تصلح أن تشكل برنامج عمل إصلاحيا في مجالات تشريعية وحقوقية، وفي الأداء العام لأجهزة ومؤسسات الدولة والمجتمع، وعلى رأسها الحاجة إلى تعديل 31 تشريعا منها قوانين الجنسية ومنع الجرائم ومحكمة امن الدولة والمخدرات ونقابة الصحفيين والحق في الحصول على المعلومات، مقدما قراءة نقدية لأوضاع السجون والتعذيب وزيادة الشغب في السجون ونقص المعلومات عن مدى استخدام القوة داخلها.
وسيرا على وصف التقرير بأنه وثيقة إصلاحية نجده يتناول استمرار ارتفاع رسوم الجامعات مقارنة مع معدل دخل الأسرة الأردنية، بما يمثله ذلك من مضامين ومؤشرات مهمة في معادلات الأمن الاجتماعي الوطني، واستمرار انتشار ظواهر العنف وانتشار المخدرات في الجامعات من دون خروج الإدارات الجامعية بأي مبادرة أو اداء ممنهج للحد من هذه الظواهر، ثم استمرار غياب معايير الجودة في الخدمات والأداء في المؤسسات الصحية، واستمرار العبء الضريبي على المواطنين، إلى جانب عدد آخر من القضايا الأساسية الأخرى.
الشرعية، التي يمكن للمركز الوطني ان يصبغها على تقاريره وبرامجه، لن تأتي من امتداح الحكومة والاحتفاء بإنجازات مؤسسات الدولة على الرغم من كون ذلك حقا للحكومة ومؤسساتها إذا ما فعلت ما تستحق الحمد والشكر عليه.
ولا تتحقق تلك الشرعية أيضا من ترديد ما مللنا سماعه من التقارير الدولية، التي تكتب بطرق ولأهداف لم تعد مبررة، الشرعية الحقيقية تأتي من القدرة على انتزاع وترسيخ تعريف جديد للمصالح الوطنية ، يعمق الوعي المجتمعي بأن قوة الدولة تكمن في الإصلاح النابع من الاولويات المحلية كما يعيشها الناس ويحتاجونها.
الطمأنينة الحقيقية تترسخ بالفعل من قدرة الدولة على توفير بيئة ملائمة لنمو مؤسسات إصلاحية مستقلة، ترتبط بتاريخ من الصدق ، وتترسخ هذه الطمأنينة من قدرة المجتمع على حماية هذه المؤسسات وصون استقلاليتها، وبالتالي إصباغ هذه المؤسسات بهيبة حقيقية واحترام يلجم أي محاول من السلطة للتغول عليها، وهذا هو الإنجاز الحقيقي لحقوق الانسان، إذا استطاع المركز الوطني الاستمرار في تشييد تاريخه في الصدق والاستقلالية.
ما يفعله المركز الوطني لحقوق الإنسان وما يؤسس له بالصيغ الراهنة القابلة للمزيد من التطوير، لم تقم به مؤسسات محلية عريقة عمرها عقود، والمجتمع والدولة بحاجة لدور تلك المؤسسات في إعادة تعريف المصالح الوطنية بصيغة تضامنية.
لعل ابسط ملامح هذا الدور وثائق سنوية ترصد باستقلالية الأحوال العامة للدولة والمجتمع وتوفر مرجعية تضمن حق الناس بالمعرفة، وتوفر إحاطة بكل ما يلحق بالمجالات العامة من تطورات وإنجازات وانتهاكات وتجاوزات، وتدشن من خلالها تواريخ للصدق ومكانة وهيبة تحترم، وهي ادوار لن نخترعها بل معروفة في جهات عديدة من العالم، وهي احد المحركات الحقيقية للإصلاح.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د.باسم الطويسي.   جريدة الغد