بعد تنظيم القاعدة في "بلاد الرافدين" والقاعدة في "جزيرة العرب" والقاعدة في "بلاد الشام" لدينا الآن القاعدة في "المغرب الاسلامي"، وكل ذلك قد يشير الى أن تنظيم القاعدة الأم، وهو في الاصل لم يكن اكثر من قاعدة عسكرية خاصّة بجزء من المجاهدين العرب يقودها بن لادن في افغانستان، يستمر الآن في توسع مطرد.
لكن هذا الانطباع الأولي يحتاج الى تمحيص، فانضمام الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر واعلانها عن نفسها جزءا من تنظيم القاعدة هو محاولة لانعاش تيار مأزوم لم يبق من اتباعه المصرّين على مواصلة اساليب العنف سوى مجموعة واحدة محاصرة وجدت في اسم القاعدة وسيلة لاستعادة الحضور الاعلامي والسياسي، وربما ضمان الدعم المالي.
القاعدة الآن ليست تنظيما هرميا، لكنها بصورة ما تملك اطرا وجماعات تتواصل بينها في ظروف صعبة، والقاعدة لم تكن سوى واحدة من مكونات ظاهرة التطرف في داخل التيار الاسلامي العريض لكنها تميزت عن الجميع بطابعها الأممي، فهي لم تلد في وطن امّ مثل بقية القوى بل جمعت مجاهدين من مختلف البلدان على ارض افغانستان وباتت بعد انتهاء الحرب هناك تبحث عن عمل جهادي يبرر وجودها، بعكس التنظيمات المحلية التي ولد كل منها في ظروف البلد الخاصّة وأخذ مسارا خاصّا به. وقد تزامن صعود القاعدة في المواجهة مع الاميركيين مع تراجع وانكفاء هذه التنظيمات في صراعها المحلي مع السلطة ووصول أساليب العنف الدموي الى طريق مسدود.
في مصر بدأ الأمر بنبذ "الجماعة الاسلامية" للعنف ولحق الآن من تبقى من جماعة" الجهاد" وهم بصدد الاعلان عن نقد جذري للتجربة السابقة والتبرؤ منها وتحريم القتل ما سيقود حسب الانباء الى اطلاق سراح آلاف من هؤلاء في السجون المصرية. وفي الجزائر فإنّ سنوات الدم التي شهدت انزلاق الجماعات المتفرعة عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى طريق العنف الوحشي انتهت بمشروع الوئام المدني وتخلي معظم الجماعات عن هذا الطريق، والذي حصل أنّ بقية معزولة (الجماعة السلفية) وجدت في "القاعدة" الدولية مظلّة لها.
اصبح اسلوب العمليات الانتحارية، حتى لو لم تقتل احدا، هو المعتمد في تأكيد ضمني على المنحى اليائس لهذه المجموعات كما هو حال عملية اول من امس في المغرب.
الخلاصة أن توسع القاعدة بانضمام مجموعات محلية اليها أو استخدام مظلتها يعكس في الوقت نفسه تراجع وانحسار تيارات التطرف العنيف في داخل تلك البلدان نفسها. وقد يكون العراق هو البلد الوحيد الذي توسعت فيه القاعدة وقويت شوكتها، لكننا رأينا مؤخرا كيف أن الأهالي بدأوا يضيقون ذرعا بهذا التنظيم الذي أخذ يحاول فرض سلطته العنيفة عليهم ويمارس التصفية الجسدية بحق كوادر الفصائل الأخرى فدخلوا في صدامات معه، والمؤكد في النهاية أن هذا التنظيم مرشح للتراجع في ظلّ افتقاره لأي افق سياسي وطني.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جميل النمري