أول من أمس، وصل ولد محمد فال بموكب رئاسي الى موقع الاحتفال، بعد أن كان قد استقبل وأقام حفل غداء لعدد من الرؤساء الأفارقة. ثم في نهاية الحفل، وبعد تسليم العهدة للرئيس الجديد المنتخب، غادر بسيّارته الخاصّة الى بيته، وتولّى الرئيس الجديد توديع الرؤساء بعد أن أقام لهم مأدبة عشاء. لم يكن بينهم اي من الرؤساء العرب، وعلى الارجح فأغلبية هؤلاء ما كانت ترغب ابدا بالمجيء، فأمام الجمهور ستقفز الى البال مقارنات محرجة للغاية.
بعد هذه التجربة الرائدة للمجلس العسكري بقيادة ولد محمد فال في موريتانيا، لن يجرؤ ضباط آخرون على اغتصاب السلطة أبدا، ولن يجرؤ الرئيس الجديد على الالتفاف على الدستور لتمديد اقامته الى ما شاء الله. لقد دخلت موريتانيا مرّة واحدة، وببساطة، حقبة التداول الديمقراطي على السلطة.
كيف أمكن ان يحدث ذلك؟ هل لدى بلاد شنقيط تاريخ ديمقراطي حافل قطعه انقلاب عسكري مؤقت؟ لا. هل نسبة التعليم والتحضّر أعلى من بقية البلدان العربية؟ لا. هل تحسن متوسط دخل الفرد ومستوى المعيشة إلى درجة ان الهموم المعيشية اخلت مكانها لطموح المشاركة السياسية؟ لا. فمنذ استقلال البلاد توالت انقلابات عسكرية وانتخابات شكلية، ولم ينعم الموريتانيون بأي حكومة منتخبة ابدا. ونسبة الأمّية في موريتانيا أعلى من معظم البلدان العربية، ومستوى دخل الفرد أدنى من معظم البلدان العربية. وتكاد العاصمة ان تكون المدينة الحقيقية الوحيدة في بلد تسوده القبلية والعشائرية.
ولد محمد فال لم يتذرع بأي من الأسباب آنفة الذكر لتأجيل الديمقراطية وتمديد الوصاية على الموريتانيين حتّى "ينضجوا" للديمقراطية! هو كان جزءا من السلطة، ويعرف ان كل ما سبق ذرائع لإدامة احتكارها، فلم يفتعل حججا، وطبق جدول التحول الديمقراطي المقترح بكل شرف. لم يحجز لنفسه اي منصب، ولا لأي من اعضاء المجلس العسكري، وقد ذهبوا جميعهم الى التقاعد أو الى الوظيفة السابقة في الجيش، وهو الآن تحت سلطة القائد الأعلى للقوات المسلحة، أي الرئيس الجديد المنتخب.
كان ولد محمد فال صادقا وعفيفا وناضجا. ولا أجد صفة أوفى وأكمل من القول انه رجل محترم. ولهذا الرجل المحترم أقترح صياغة مذكرة إجلال وتقدير يوقعها مثقفون وشخصيات من كل العالم العربي، لا بل أقترح وفدا عربيا ضخما من جميع الأقطار يذهب الى نواكشوط، ويتوجه أولا الى بيت السيد فال للاحتفاء به وتكريمه، ثم الى مقر رئاسة ولد الشيخ عبدالله لتهنئته، والتعبير عن الفخر بما أنجزته هذه الدولة العربية العزيزة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جميل النمري