الشعور المتنامي بأهمية زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي ولقائه المرتقب بالرئيس الأميركي يوم الاثنين، وصل في التقديرات العربية والإسرائيلية الى لحظة حسم تاريخية، كنتيجة موضوعية لما وصل اليه مسار التحولات في التسوية منذ اتفاق اوسلو قبل خمسة عشر عاما، هناك شرعية للقول بوجود خميرة في واشنطن قابلة ان تتحول الى خبز تطعم به الملايين، كما هي قابلة ان تعيد إنتاج العفن السياسي من الجديد.
تغيير الأحوال في الشرق الأوسط أصبح، كما يردد الأميركيون أنفسهم، مصلحة أميركية، وهذه حقيقة موضوعية أخرى ادركتها النخب الأميركية ليس اليوم بل منذ تحولات عام 2001، ولكنها تصل لحظة النضوج هذه الأيام بعد ان جربت واشنطن الخيارات الأخرى عبر المدخل الإسرائيلي خلال أعوام حربها على الإرهاب وما آلت اليه.
لا احد يملك لحظة التفاؤل التاريخي بأن التسوية أصبحت باليد، ففي الوقت الذي قد تتحول فيه واشنطن الى امتلاك الإرادة والرغبة بالتغيير، يبدو ان الإرادة الأميركية التي كان دعاة السلام يبحثون عنها في السابق لن تصنع السلام وحدها هذه الأيام.
تشبه هذه الأيام ما كان يحدث قبل عشر سنوات بالتمام، نهاية حقبة الديمقراطيين، انتظار دخول الجمهوريين البيت الأبيض، في أجواء فرصة تاريخية للتسوية على أكثر من محور، ثم تقدم مكانة المملكة العربية السعودية وثقلها السياسي في واشنطن، فجأة تأتي أحداث التفجيرات فتفرغ كل التراكم السياسي من مضمونه، تركب إسرائيل موجة تصفية التراكم السياسي من أساسه، وتحطم الحضور السعودي بمهارة عالية، وعلى المحورين يصبح شارون الحليف الأول الفعلي لجورج بوش في حربه على الإرهاب.
السيناريو الاسرائيلي لن يتكرر بهذه البساطة، فالعالم اليوم ليس كما هو الحال في مطلع القرن، استراتيجية الهروب الإسرائيلي مفتوحة على أفق من المناورة السياسية التي لن تكون سهلة وفي نفس الوقت لن تكون مستحيلة في ضوء الإمكانيات الهائلة التي يتيحها الفراغ والخراب السياسي والاستراتيجي على الجانب الفلسطيني والعربي.
المسألة في التقدير الأولي ستتجاوز اللعب بالأوراق الإيرانية، وستكف بعد حين عن الحديث حول بناء التسوية على أساس متين من الأمن والاقتصاد، وربما تُبنى المناورة الإسرائيلية على إبداء حماسة غير متوقعة وقبول مباشر من حيث المبدأ يطلقه نتنياهو بعد حين لحل الدولتين، وهذا ما يفسره الانشغال الواضح لوزير خارجيته افغدور ليبرمان على الساحة الروسية والتحضير لمؤتمر دولي لتسوية في الشرق الأوسط في موسكو بكل ما يحمله ذلك من دلالات سياسية وإشارات لمساحات المناورة الإسرائيلية وطرقها المبتكرة في الالتفاف على اللحظات الفاصلة.
تقود الدبلوماسية الأردنية الترويج لخطة السلام العربية، بما يملكه الملك من حضور وقبول سياسي وثقافي في الغرب وبما يملكه الأردن من صورة مقبولة واحترام دولي، تراقب الأطراف العربية الأخرى المشهد بانتظار، لا تريد ان تعترف بأنها أمام صراع سياسي خطر وحاسم، ولا احد كما يبدو يلتفت الى أسئلة أميركية تنتظر إجابات عربية في هذا الوقت بالتحديد ليس في الساحات التقليدية للصراع بل حول إيران وباكستان وأفغانستان وصولا الى الصومال.
في انتظار ما بعد خطاب الرئيس الأميركي الذي سيوجهه الى العالم الإسلامي من القاهرة مطلع الشهر المقبل وما ستفرزه رحلات الصيف بين واشنطن والشرق الأوسط، لا توجد تقديرات موضوعية على مدى جدية هذه اللحظة في تاريخ التسوية، لكن الواضح ان ثمة خميرة في واشنطن، كيف ستنضج، وماذا ستفعل بها لعبة الزمن الإسرائيلية.. لا أحد يدري!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد