قد يبدو للبعض ان لا جديد ينتظر الشرق الأوسط، وقد يبدو ان ما جاء به الرئيس الأميركي في خطاب جامعة القاهرة لا يعدو أكثر من إضافة كمية للمناورة التقليدية.
لتلك الأصوات مبرراتها التي تنتظر الأفعال على الأرض ان تكذبها أو تصدقها، كما ان للأصوات الأخرى التي ترى في السياسة المكثفة التي تجتاح الشرق الأوسط هذه الأيام وسط تناقضات الفراغ السياسي العربي، وكثافة التشدد اليميني الإسرائيلي فرصة قد لا تتكرر لممارسة سياسة صعبة قد توصل الى الضوء المفقود في نهاية النفق، ولكن في كل الأحوال، فإن ما أعاد تأكيده الرئيس اوباما يفتح الباب أمام ضرورة مصيرية لمراجعات عربية وفلسطينية.
الشرق الأوسط يهيئ للحظة تاريخية قد تكون مصيرية إذا ما أحسن التقاطها، فالطريق باتجاهين واضحين نحو التسوية أو نحو الحرب، قد تبدو فرص التسوية أكثر جدية من أي وقت مضى رغم ما يبدو من ظروف غير ايجابية لدى طرفي المعادلة الرئيسين، وتبقى تلك الفرص من منظور سياسي تتقدم إذ لم ترتكب حماقة تاريخية تعيد تذكير الأميركيين وتدير رؤوسهم من جديد نحو دوامة "الحرب على الإرهاب" أو تصاعد الحماقات الفلسطينية على ارض الدولة المنتظرة، وهذه المرة بالتأكيد بأيدٍ فلسطينية وإدارة وإرادة إسرائيلية.
منذ أحداث تفجيرات أيلول مروراً بحرب احتلال العراق جربت الإدارة الأميركية أنماطا من الدبلوماسية في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، أهمها دبلوماسية الأكاذيب الكبيرة، كما برز ذلك في تبرير احتلال العراق، ثم دبلوماسية الابتزاز ونهب الثروات، كما تم تحت غطاء إعادة الأعمار، ودبلوماسية الإهانة والإذلال إلى جانب سيل من الألعاب الدبلوماسية الصغيرة، من زلة اللسان وتكنيك التوبيخ بدلا من الاعتذار ثم إدارة الإقليم بأكمله بالهاتف الرئاسي. في تلك الحقبة السوداء من التاريخ الأميركي في المنطقة كان الأداء السياسي العربي من دون معنى على طرفي محاور العمل السياسي العربي ومن دون جدوى.
حان الوقت للعرب ان يثقوا بأن الولايات المتحدة ربما تتغير، الى أين؟ ربما لا ندري بشكل واضح ودقيق، لكن التغير في التاريخ دوما يحتاج الى وكلاء يلتقطون اللحظة ويؤسسون فوقها، فلقد أسس العرب وبنوا في الظلام معظم تاريخ تحالفاتهم الحديثة والمعاصرة، وهذه اللحظة لا نقول بأنها مثالية لكنها حتما ليست أسوأ.
لا يكاد يوجد مكان آخر في العالم يتضح فيه دور القوى الاقتصادية والاجتماعية في تفسير حركة التاريخ واتجاهاته بعيدا عن نسب مجريات التاريخ وقوى التغيير الى عدد قليل من العظماء مثلما هو الحال في الولايات المتحدة. ولعل اللحظة التاريخية الراهنة التي تلح بالحاجة الى التغيير وإعادة ميلاد الولايات المتحدة للمرة الرابعة؛ سيكون هذا التغيير بعد حين من الزمن خيار امة كما ترجمه الناخبون الأميركيون في صناديق الاقتراع، ليس بفعل سحر الرئيس الأسود اوباما، ولا بفعل برنامج الديمقراطيين المناوئ للكثير من تفاصيل البرنامج الجمهوري الذي حكم الولايات المتحدة والعالم على مدى السنوات الثماني الماضية، بل بفعل حاجة حقيقية داخل الولايات المتحدة للتغيير عبرت عنها خلال العقد الأخير استطلاعات الرأي والمسوحات السياسية والاجتماعية وخلاصات مراكز البحوث ودوائر صناعة الاستراتيجيات، حتى أصبح الأمر اقرب الى قرار خفي تم اتخاذه، وجاءت أحداث انهيار النظام المالي العالمي لتختم المشهد بشكل لا يحتاج الى الكثير من المراوغة.
هذه اللحظة المكثفة عكستها كلمات الرئيس اوباما في جامعة القاهرة بكل وضوح، في هذا الوقت تُستدعى المراجعة الاستراتيجية وتتوفر المسوغات لها أكثر من أي وقت مضى، وكل طرف يدرك ضرورتها وأهميتها أمام تقلص الخيارات وانحسار مساحة المناورة ومداها.
التسوية السياسية تعمل لصالح جيل التسوية في حين لا يركز السلام على جيل بعينه، فالتسوية يحتمل أن تكون مؤقتة، بينما السلام يرتبط بالديمومة، والتسوية أيضاَ تعتمد على توازن القوى بينما السلام يعتمد على (توازن المصالح)، والأمران لا يمتلكهما العرب إذا لم يدخلوا في مراجعة هادئة وجادة منطلقها الممكن توازن المصالح مع الولايات المتحدة، فقد بدأ الطرف الآخر المراجعة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د.باسم الطويسي. جريدة الغد